لاطلاع الى التاريخ نستنتج ان الحالات المعنوية لأئمة الهدى (عليهم السلام) و شدة اهتمامهم الى العبادة و التضرع الى الله قد كان خالصاً لدرجة يتعجّب له الصديق و العدو. على سبيل المثال، قد نقل عن أحوال الإمام الرابع للشيعة، الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) إنه إذا أراد الوضوء اصفر لونه و كان إذا قام إلى الصلاة غشى لونه بلون آخر، و كانت اعضاؤه ترتعد من خشية اللّه. “و تحدث الإمام الباقر عن خشوع أبيه في صلاته فقال: كان علي بن الحسين صلوات الله علیهما إذا قام في الصلاة كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء إلا ما حركت الريح منه.”(1) لكن في الواقع ما هو سر كل هذا الخشوع و الخضوع؟ لقد كان الأئمة من أفضل الناس في الأمة و لم تكن منزلتهم مخفية لأحد؛ فإذاً لماذا اشتغلوا بعباداتٍ شاقة؟ يجيب الإمام السجاد (عليه السلام) على هذه الحقيقة في الرواية التالية:
«کان العهد زمن عبد الملك بن مروان، إذ القت السلطة القبض علی جماعة من المسلمین فصاروا محبوسین. فلمّا جاء الإمام علي بن الحسین (علیه السلام) الخبر، وفد علی عبد الملک لیشفع فیهم. فلمّا رآه عبد الملك استعظم ما رآه عليه من أثر السجود بين عينيه فقال له:
کان العهد زمن عبد الملك بن مروان، إذ القت السلطة القبض علی جماعة من المسلمین فصاروا محبوسین. فلمّا جاء الإمام علي بن الحسین (علیه السلام) الخبر، وفد علی عبد الملک لیشفع فیهم. فلمّا رآه عبد الملك استعظم ما رآه عليه من أثر السجود بين عينيه فقال له…
و أقبل على الإمام يطريه، و يذكر فضله و مآثره، فلما انتهى من كلامه، قال له الإمام:
” كل ما ذكرته من فضل الله سبحانه، و تأييده و توفيقه، فأين شكره على ما أنعم؟ و لقد كان رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) يقف للصلاة حتى تتورم قدماه، و يظمأ في الصيام حتى يعصب فوه فقيل له يا رسول الله! ألست معصوماً و أليس لك مقاماً عالياً عند الله؟ فيقول (صلى الله عليه و آله و سلم): “أ فلا أكون عبدا شكورا؟”
الحمد لله على ما أولى، و أبلى، و له الحمد في الآخرة و الأولى، و الله لو تقطعت أعضائي، و سالت مقلتاي على صدري لن أقوم لله جلّ جلاله…”
و بكى الإمام بكاء شديدا، و أثر كلامه و منظره الذي تعنو له الجباه، و تذل له الرقاب في نفس الطاغية عبد الملك، فراح يقول بتأثر و إعجاب:
” شتان بين عبد طلب الآخرة، و سعى لها سعيها، و بين من طلب الدنيا و ما له في الآخرة من خلاق!” و خضع عبد الملك فشفعه فيمن جاء فيهم، و أطلق سراحهم.»(2)
نعم! على رغم من منزلة أهل بيت العصمة و الطهارة (عليهم السلام) الرفيعة عند الله تعالى و مع شدة خضوعهم و خوفهم لله سبحانه و تعالى ، مازالوا يَرَوْن أنفسهم مقصرين أمام الله جل و علا. و في الحقيقة بما اننا من شيعة الأئمة و من محبيهم و مواليهم، ما مدى اقتدائنا بأئمتنا و كم تعطّرنا من عطرهم المعنوي؟
(مأخوذ من کتاب “حیاة الإمام زین العابدین”، باقر شریف القرشی (مع بعض الإضافات))
بمناسبة حلول الخامس من شعبان،
يبارك و يهنئ موقع الرشد مسلمي العالم و بالأخص أصدقاء الموقع الأعزاء
ذكرى مولد شمس العبادة و قدوة الصالحة للأمة
الإمام علی بن الحسین (علیهما السلام).
الهوامش:
1- عن أبي عبد الله عليه السلام قال “کان أبي عليه السلام یقول کان عليّ بن الحسین – صلوات الله علیهما- إذا قام في الصلوة کأنّه ساقُ شجرةٍ لا یتحرّک منه شیء إلّا ما حرّکه (حرّکت) الریحُ منه” (الکافی، المجلد 3، الصفحة 300)
2- بحارالأنوار، المجلد 46، الصفحة 57 (نقل عن فتح الأبواب (لسید بن طاووس)، الصفحه 171)