سأل الإمام حسن بن علي (عليهما السلام) شخص عن رأيه في السياسة؟
فقال (عليه السلام): “هي أن ترعى حقوق اللّه، و حقوق الاحياء، و حقوق الأموات فأما حقوق الله: فأداء ما طلب، و الإجتناب عما نهی و أما حقوق الأحياء: فهي أن تقوم بواجبک نحو اخوانک، و لا تتأخر عن خدمة أمتک، و أن تخلص لولى الأمر ما اخلص لأمته، و أن ترفع عقيرتک في وجهه إذا ما حاد عن الطريق السوى و أما حقوق الأموات: فهي أن تذکر خيراتهم، و تتغاضى عن مساوئهم فان لهم ربا يحاسبهم”(1)
عند أهل البيت(عليهم السلام) إن السياسة التي يجب أن تسود جميع انحاء البلاد هي السياسة البناءة التي تضمن مصالح المجتمع، و تعمل على ايجاد الوسائل السليمة لرقيه و بلوغ أهدافه و آماله.
أما جملة من أهم أهداف التي کان أهل البيت (عليهم السلام) رُوّادها، و يمکن أن نراه في تصرّف إمام أمير المؤمنين و الإمام حسن بن علي (عليهما السلام) السياسي فهي کما يلي:
الف- العدل :
إن السياسة في الإسلام بجميع مفاهيمها تتبنّی علی أساس العدل، و تؤمن به إيمانا مطلقا، و ترکّز جميع أهدافها على أضوائه إلي أن الحاکم إذا انحرف في حکمه وجب عزله، کما أن أمير المؤمنين(عليه السلام) قد عزل أحد ولاته حينما أخبرته “سودة بنت عمارة الهمدانية” بأنه قد جار في حکمه.(2)
ب- الصراحة و الصدق:
ان السياسة الرشيدة التي رفع رايتها أهل البيت(عليهم السلام) تسير على ضوء الصدق و الواقع فلا توارب، و لا تنافق، و لا تغري الشعوب بالوعود الکاذبة، و لا تمنيها بالأماني المعسولة، رائدها في جميع مخططاتها الصراحة و الصدق.
و سار الإمام الحسن (عليه السلام) على هذه المخططات في عالم السياسة و الحکم، فلم يعتمد علىاي وسيلة لا يقرّها الدين،کما قد أدلى (عليه السلام) بذلک الى سليمان بن صرد فقال له: “و لو کنت بالحزم في أمر الدنيا، و للدنيا أعمل، و أنصب، ما کان معاوية بأبأس مني، و أشد شکيمة، و لکان رأيي غير ما رأيتم.”(3)
و دلّ ذلک على أنه لو کان يعمل للدنيا لکان أقوى عليها من خصومه و يغلب عليهم و لکنه (عليه السلام) أحرص المسلمين على صيانة الإسلام و رعايته.
ج- کفاءة الولاة و العمال:
و يرى أهل البيت (عليهم السلام) أن الموظفين في جهاز الحکم لا بد أن يکونوا من خيرة الرجال في الجدارة و النزاهة و الکفاءة و القدرة على إدارة شؤون البلاد، ليضعوا المصلحة العامة نصب أعينهم، و يسيروا بين الناس سيرة قوامها العدل الخالص و الحق المحض، و يکونوا أمناء فيما يجبونه من الناس و فيما ينفقونه على المرافق العامة.
د- الخدمة العسکرية:
و لم تقض سياسة أهل البيت بارغام الناس على الخدمة العسکرية، فلم يؤثر عنهم أنهم أکرهوا الناس على الخروج الى الحرب، و إنما کانوا يدعون الى الجهاد کفرض من فروض اللّه فمن شاء أن يخرج خرج مؤديا لما فرض عليه، و من قعد فانما يقعد غير تمتثل لما أوجبه الله عليه من دون أن ينال عقوبة أو يتعرض للسخط و الارهاب،لأن الجهاد فرض فيجب علي المؤمن أن يشارک فيه و لکنه مختار في عمله و کانت هذه خطة الحسن (عليه السلام) لما أراد مناجزة معاوية، فانه لم يکره أحدا على ذلک، و على عکس ذلک سار بنو أمية، فانهم کانوا يفرضون أشد العقاب على من تخلف عن الحرب،(4) و لو أن الامام الحسن (عليه السلام) أجبر جيشه على الطاعة، و أنزل العقاب الصارم بالمتمردين و المتخاذلين، و عاقب على الظنة و التهمة لما اصيب جيشه بتلک الزعازع و الانتکاسات، لتغير ما وقع و لکنه (عليه السلام) قد سلک الطريق الواضح الذي لا تعقيد فيه و لا التواء، و إنما ندبهم الى الجهاد. (5)
ه- السياسة المالية:
أما السياسة المالية التي انتهجها أهل البيت (عليهم السلام) فکانت تلزم بصرف الخزينة المرکزية على المصالح العامة کإنشاء المؤسسات، و ايجاد المشاريع الحيوية التي تنتظم بها الحياة، و يقضى بها على شبح الفقر و الحرمان، و لا يسوغ عندهم صرف درهم واحد فيما لا تعود فيه منفعة أو فائدة للأمة، و قد احتاطوا فى هذه الجهة احتياطا بالغا.
و لو أن الإمام الحسن (عليه السلام) انحرف عن هذا المنهج، و نهج في سياسته منهج من يعمل للدنيا، و سلک مسلک من يبغي الملک و السلطان، فراوغ و داهن، و أنفق المال في غير محله، لما آل الأمر الى معاويه الذي سلک جميع الوسائل في سبيل الوصول الى الحکم، و لکنه (عليه السلام) آثر صيانة الاسلام، و الحفاظ على مقدراته و معنوياته، فسار بسيرة جده و أبيه التي لا تقر کل طريق يتصادم مع الدين و يري جميع الناس في التمتع من بيت المال سواء.
نعم! فإن السياسة الأصيلة عند أهل البيت هي التي لا تعتمد على المکر و المواربة و الخداع و التهريج و التضليل و غير ذلک من الأساليب التي لا تحمل جانبا من الواقعية، و انها لا بد أن تکون صريحة واضحة في جميع أهدافها و معالمها، لتحقق العدل فى البلاد.
(مأخوذ من کتاب “حياة الامام الحسن بن علي (عليهما السلام)، تأليف: حجة الإسلام باقر شريف القرشي”)
يبارک موقع الرشد، 15 من رمضان المبارک،
مسلمي العالم و اصدقاء الموقع الأعزاء خصوصاً بذکرى مولد
کريم أهل البيت (عليهم السلام)،
الإمام الحسن المجتبي (عليه السلام).
الهوامش:
1- التذکره المعلوفيه، المجلد 9
2- عقد الفريد، المجلد 1، الصفحة 211
3- تنزيه الأنبياء، الصفحة 171
4- للمثال أن عبيد الله بن زياد الذي نصبه يزيد واليا لکوفة ضعّف مواجب أهل الکوفة من بيت المال و قد واجه من لا يري في الحرب بغلظة.
سأل الإمام حسن بن علي (عليهما السلام) شخص عن رأيه في السياسة؟
فقال (عليه السلام): “هي أن ترعى حقوق اللّه، و حقوق الاحياء، و حقوق الأموات فأما حقوق الله: فأداء ما طلب، و الإجتناب عما نهی و أما حقوق الأحياء: فهي أن تقوم بواجبک نحو اخوانک، و لا تتأخر عن خدمة أمتک، و أن تخلص لولى الأمر ما اخلص لأمته، و أن ترفع عقيرتک في وجهه إذا ما حاد عن الطريق السوى و أما حقوق الأموات: فهي أن تذکر خيراتهم، و تتغاضى عن مساوئهم فان لهم ربا يحاسبهم”(1)
عند أهل البيت(عليهم السلام) إن السياسة التي يجب أن تسود جميع انحاء البلاد هي السياسة البناءة التي تضمن مصالح المجتمع، و تعمل على ايجاد الوسائل السليمة لرقيه و بلوغ أهدافه و آماله.
أما جملة من أهم أهداف التي کان أهل البيت (عليهم السلام) رُوّادها، و يمکن أن نراه في تصرّف إمام أمير المؤمنين و الإمام حسن بن علي (عليهما السلام) السياسي فهي کما يلي:
الف- العدل :
إن السياسة في الإسلام بجميع مفاهيمها تتبنّی علی أساس العدل، و تؤمن به إيمانا مطلقا، و ترکّز جميع أهدافها على أضوائه إلي أن الحاکم إذا انحرف في حکمه وجب عزله، کما أن أمير المؤمنين(عليه السلام) قد عزل أحد ولاته حينما أخبرته “سودة بنت عمارة الهمدانية” بأنه قد جار في حکمه.(2)
ب- الصراحة و الصدق:
ان السياسة الرشيدة التي رفع رايتها أهل البيت(عليهم السلام) تسير على ضوء الصدق و الواقع فلا توارب، و لا تنافق، و لا تغري الشعوب بالوعود الکاذبة، و لا تمنيها بالأماني المعسولة، رائدها في جميع مخططاتها الصراحة و الصدق.
و سار الإمام الحسن (عليه السلام) على هذه المخططات في عالم السياسة و الحکم، فلم يعتمد علىاي وسيلة لا يقرّها الدين،کما قد أدلى (عليه السلام) بذلک الى سليمان بن صرد فقال له: “و لو کنت بالحزم في أمر الدنيا، و للدنيا أعمل، و أنصب، ما کان معاوية بأبأس مني، و أشد شکيمة، و لکان رأيي غير ما رأيتم.”(3)
و دلّ ذلک على أنه لو کان يعمل للدنيا لکان أقوى عليها من خصومه و يغلب عليهم و لکنه (عليه السلام) أحرص المسلمين على صيانة الإسلام و رعايته.
ج- کفاءة الولاة و العمال:
و يرى أهل البيت (عليهم السلام) أن الموظفين في جهاز الحکم لا بد أن يکونوا من خيرة الرجال في الجدارة و النزاهة و الکفاءة و القدرة على إدارة شؤون البلاد، ليضعوا المصلحة العامة نصب أعينهم، و يسيروا بين الناس سيرة قوامها العدل الخالص و الحق المحض، و يکونوا أمناء فيما يجبونه من الناس و فيما ينفقونه على المرافق العامة.
د- الخدمة العسکرية:
و لم تقض سياسة أهل البيت بارغام الناس على الخدمة العسکرية، فلم يؤثر عنهم أنهم أکرهوا الناس على الخروج الى الحرب، و إنما کانوا يدعون الى الجهاد کفرض من فروض اللّه فمن شاء أن يخرج خرج مؤديا لما فرض عليه، و من قعد فانما يقعد غير تمتثل لما أوجبه الله عليه من دون أن ينال عقوبة أو يتعرض للسخط و الارهاب،لأن الجهاد فرض فيجب علي المؤمن أن يشارک فيه و لکنه مختار في عمله و کانت هذه خطة الحسن (عليه السلام) لما أراد مناجزة معاوية، فانه لم يکره أحدا على ذلک، و على عکس ذلک سار بنو أمية، فانهم کانوا يفرضون أشد العقاب على من تخلف عن الحرب،(4) و لو أن الامام الحسن (عليه السلام) أجبر جيشه على الطاعة، و أنزل العقاب الصارم بالمتمردين و المتخاذلين، و عاقب على الظنة و التهمة لما اصيب جيشه بتلک الزعازع و الانتکاسات، لتغير ما وقع و لکنه (عليه السلام) قد سلک الطريق الواضح الذي لا تعقيد فيه و لا التواء، و إنما ندبهم الى الجهاد. (5)
ه- السياسة المالية:
أما السياسة المالية التي انتهجها أهل البيت (عليهم السلام) فکانت تلزم بصرف الخزينة المرکزية على المصالح العامة کإنشاء المؤسسات، و ايجاد المشاريع الحيوية التي تنتظم بها الحياة، و يقضى بها على شبح الفقر و الحرمان، و لا يسوغ عندهم صرف درهم واحد فيما لا تعود فيه منفعة أو فائدة للأمة، و قد احتاطوا فى هذه الجهة احتياطا بالغا.
و لو أن الإمام الحسن (عليه السلام) انحرف عن هذا المنهج، و نهج في سياسته منهج من يعمل للدنيا، و سلک مسلک من يبغي الملک و السلطان، فراوغ و داهن، و أنفق المال في غير محله، لما آل الأمر الى معاويه الذي سلک جميع الوسائل في سبيل الوصول الى الحکم، و لکنه (عليه السلام) آثر صيانة الاسلام، و الحفاظ على مقدراته و معنوياته، فسار بسيرة جده و أبيه التي لا تقر کل طريق يتصادم مع الدين و يري جميع الناس في التمتع من بيت المال سواء.
نعم! فإن السياسة الأصيلة عند أهل البيت هي التي لا تعتمد على المکر و المواربة و الخداع و التهريج و التضليل و غير ذلک من الأساليب التي لا تحمل جانبا من الواقعية، و انها لا بد أن تکون صريحة واضحة في جميع أهدافها و معالمها، لتحقق العدل فى البلاد.
(مأخوذ من کتاب “حياة الامام الحسن بن علي (عليهما السلام)، تأليف: حجة الإسلام باقر شريف القرشي”)
يبارک موقع الرشد، 15 من رمضان المبارک،
مسلمي العالم و اصدقاء الموقع الأعزاء خصوصاً بذکرى مولد
کريم أهل البيت (عليهم السلام)،
الإمام الحسن المجتبي (عليه السلام).
الهوامش:
1- التذکره المعلوفيه، المجلد 9
2- عقد الفريد، المجلد 1، الصفحة 211
3- تنزيه الأنبياء، الصفحة 171
4- للمثال أن عبيد الله بن زياد الذي نصبه يزيد واليا لکوفة ضعّف مواجب أهل الکوفة من بيت المال و قد واجه من لا يري في الحرب بغلظة.
5- کما قد فعل ذلک أمير المؤمنين (عليه السلام) من قبل في حرب الجمل وصفين و النهروان.
5- کما قد فعل ذلک أمير المؤمنين (عليه السلام) من قبل في حرب الجمل وصفين و النهروان.