« و هكذا أصبحنا يتامى … »

ملكتني عيني و أنا جالس فسنح لي رسول الله (صلى‏الله‏عليه ‏وآله و سلم) ، فقلت يا رسول الله، ما ذا لقيت من أمّـتك من الأود(1) و اللدد(2). فقال(صلي الله عليه و آله و سلم): ادع عليهم.(3)

فإذاً يريد الإمام علي أن يلعنهم، فماذا يقول؟ كيف يقابل كل هذا العداء؟ رفع يده للدعاء و قال: ” أبدلني الله بهم خيراً لي منهم و أبدلهم بي شرّا لهم منّي”(4)(5) يعني يا إلهي، خذ علي إلى جوارك…

في شهر رمضان ذلك العام، كان يخبر عن استشهاده دوماً.(6) كان أصحابه يقولون: ” هو ينعي نفسه و نحن لا ندري”(7) و لذلك، كان الإمام في آخر أيام عمره الشريف يذهب كل ليلة الى منزل أبنائه ضيفاً عندهم للإفطار، و لكنه لم يتناول أكثر من ثلاث لقم من الأكل. سأله أحد أبنائه عن قلة أكله. فأجابه الإمام (عليه السلام):” يأتيني أمر الله و أنا خميص إنما هي ليلة أو ليلتان “(8)

في ليلة استشهاده كان ضيفاً للإفطار في منزل ابنته أم كلثوم. في حين الإفطار لم أكل الإمام  إلا ثلاث لقم ثم راح الى العبادة. كان أحياناً ينظر الى السماء و يدقق في  حركات النجوم. و قال في تلك اليلة: ” و الله ما كـَذبت و لا كـُذبت و إنها الليلة التي وُعدت بها” (9)

كان هذا وعد النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) له. نقل الإمام علي (عليه السلام) نفسه أنه في ختام خطبة خطبها (صلى الله عليه و آله و سلم) عن فضيلة شهر رمضان و احترامه، بكى. فقلت: يا رسول الله، ما يبكيك؟

فقال(صلي الله عليه و آله و سلم): ” يا علي! أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر كأني بك و أنت تصلي لربك و قد انبعث أشقي الأولين و الآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربة علي قرنك فخضب منها لحيتك “(10)

و أخيراً انتهى تلك الليلة الموحشة و توجّه الإمام علي (عليه السلام) في ظلمة السحر الى المسجد لأداء صلاة الفجر. ورد الإمام علي (عليه السلام) المسجد و قام بالصلاة و كبّر و من بعد القراءة فسجد.(11) و في هذه الأثناء، ضرب ابن ملجم بسيفه المسموم على رأس علي (عليه السلام) المبارك. فوقعت الضربة علي ضربة عمرو بن عبدود يوم خندق(12) و شقّ فرق رأسه المبارك الى جبهته.

نعم! كان علي في السجود عندما ابتدأ عروجه الى السماء محمّرا. جرى الدم من رأس أمير المؤمنين (عليه السلام) في المحراب و احمرّ لحيته الشريفة. في هذه الأثناء قال الإمام: ” فزت و رب الكعبة “. و من ثم تلا هذه الآية: ” منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة اخرى”(13)

ألقي الناس القبض على ابن ملجم و سجّنوه. و احتمل الحسنان و جماعة من بني هاشم أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الدار … و أحضر الحليب للإمام فشرب بعضاً من الحليب و قال أعطوا السجين من هذا الحليب و لا تؤذوه.

حضر أطباء الكوفة لفحص الإمام (عليه السلام). و قال أحذق الأطباء: يا أمير المؤمنين! أعهد عهدك فإن عدو الله قد وصلت ضربته إلي أم رأسك. إذاً طلب قلماً و قرطاساً و كتب وصيته مخاطباً بنيه الحسن و الحسين(عليهما السلام).(14)

عاش الإمام علي (عليه السلام)  يومان فقط من بعد ضربة ابن ملجم، و فارق روحه في ليلة الجمعة ليلة الحادي و العشرين من شهر رمضان سنة 40 للهجرة، و هو في ثلاث و ستين من عمره. فأقبل الرجال والنساء أفواجاً إلي بيته(عليه السلام) وصاحوا صيحة عظيمة ، وارتجَّت الكوفة بأهلها ! وكان ذلك اليوم كيوم مات فيه رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم).

و في الليل غسّل الإمام الحسن والده الإمام علي (عليه السلام) بيده و صلّى عليه و دفّنه في الكوفة في مكان يسمّي ب”غَرىّ ” (النجف الأشرف الحالي). كان مرقد الإمام علي (عليه السلام) مخفياً الى زمن الإمام الرضا(عليه السلام)؛ و ذلك خوفاً من هجوم الخوارج و بني أمية لمرقد الإمام (عليه السلام).

و هكذا فقد انطفأت الشعلة المضيئة لحياة إنسان عظيم ولد في الكعبة و ختم حياته باستشهاده في المسجد. الرجل الذي يرى الناس مثيلاً له بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) و لن يروا…

« مأخوذ من كتاب ” فروغ الولاية”، تأليف: آية الله جعفر السبحاني (مع بعض الإضافات)»

بمناسبة حلول 21 رمضان، يعزي موقع الرشد مسلمي العالم

بذكرى استشهاد أكرم أب المؤمنين و سيد المظلومين

أميرالمؤمنين‌ (عليه السلام) .

بما أن ذكرى استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) يصادف ليالي القدر، فربما يخطر ببالنا هذا السؤال و هو هل تزامن استشهاد أميرالمؤمنين(عليه السلام) مع ليلة القدر صدفة أم يكون بين الإمام و ليلة القدر علاقة حقيقية ؟ متى يقع ليلة القدر في الحقيقة؟ و ما هي أهمّية هذه الليلة؟ و ماذا يحدث في هذه الليلة؟ …

للحصول على جواب لهذه الأسئلة ندعوكم أعزائنا لمطالعة مقالة “ليلة القدر”. 

…………………………………………..

الهوامش:

      1-      الأود: الإعوجاج

      2-      اللدد: الخصام

      3-      بما ان الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) كان رحمة للعالمين، و لكن لقد وصل طغيان بعض الناس الى درجة أغلقوا فيها أبواب الرحمة على أنفسهم و لم يبقى أي شيء سوى العذاب و سلب النعمة. في مثل هذه الموارد فإن اللعنة هي عين الحكمة. كما نري و نقرأ في تأريخ الأنبياء انه  مع تمام صبرهم و رحمتهم و لطفهم و لكن أحياناً  ينحصر الطريق باللعنة.

      4-      في اللغة العربية للصفة التفضيلية استعمالات شتى، فلذا كمثال، فلا نستفيد منه لكي نعرّف الأفضل فقط بل إن في اللغة العربية قد يُستفاد الشيء الجيد مقايسة مع الشيء السيء بالصفة التفضيلية. للمثال قد يستفاد للمقايسة بين الخير و الشر و هناك أمثلة متعددة في القرآن الكريم حول هذا المورد. كاستعمال كلمة الخير في آية 15 من سورة الفرقان، و في هنا ليس المراد من جملة الإمام أنه شر و يدعوا الله أن يسلط على الناس رجلاً شراً منه بل يدعوا أن يسلط الله على الناس الذين نقضوا أيمانهم رجلاً شراً.

      5-      نهج البلاغة، الخطبة 69

      6-      و قال أيضاً في إحدى الأيام: “أتاكم شهر رمضان و هو سيد الشهور و أول السنة و فيه تدور رحي السلطان ألا و إنكم حاج العام صفاً و واحداً(دون الأمير) و آية ذلك أني لست فيكم.” (الإرشادللشیخ المفید، المجلد 1، الصفحة 14-‌ روضة الواعظين، المجلد 1، الصفحة 135)

      7-      الإرشاد للشیخ المفید، المجلد 1، الصفحة 14-‌ روضة الواعظين، المجلد 1، الصفحة 135

      8-      الإرشاد للشیخ المفید، المجلد 1، الصفحة 14-‌ روضة الواعظين، المجلد 1، الصفحة 135- كشف الغمة، المجلد 1، الصفحة 434

      9-      روضة الواعظين، المجلد 1، الصفحة 136

      10-   عيون أخبار الرضا، المجلد 1، الصفحة 297

      11-   ينقل الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن الإمام السجاد (عليه السلام): “… و أما ابن ملجم فضربه فوقعت الضربة و هو ساجد علي رأسه علي الضربة التي كانت…” (الأمالي للشيخ الطوسي، الصفحة 365)

      12-   كشف الغمة، المجلد1، الصفحة 437

      13-   سـورة طه، الآية 55

      14-   بما أن خطاب هذه الوصية موجّه الى الحسنين (عليهما السلام)، و لكن في الحقيقة هي لجميع البشر الى نهاية العالم. إذا أردتم الاطلاع مقاطع من وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذكرى استشهاده، فالرجاء الضغط هنا.