الإنسان الموحّد إثر وقوفه بالعرفات و المشعر يصل إلی منزلة معرفة الله الکاملة و قد يذلّ في عينه جميع الرغبات النفسيّة و الدنيويّة و يغرق هذا الإنسان في بحار حبّ المعبود و بالتالي لا يرتاب في غمض العين عن کلّ ما يمنعه عن الخالق و عن کل ما يسدّه من الوصول الی البارئ و إن کان هذا الحاجز و المانع إبنه العزيز أو حياته أو غرائزه الباطنيّة.
لکنّ المعبود الحنون قد تعامل بالرفق مع الإنسان و رضي بقربان بهيمة ممّا يملکه الإنسان و قد قبلها کـرمز للإيثار و التضحية في سبيله سبحانه. لکنّه تعالی إشترط في هذا القربان بأن يتزامن مع ذبح الشهوات المفرطة و الرغبات الدنيّة کالحرص و البخل و الطمع و الحبّ للرئاسة و السمعة و إغراء العداوة و السوء الظنّ و سائر رذائل الخلقيّة و خصائص الشيطانيّة و أن يقول الإنسان بقرار حازم و صارم:
بسم الله وجّهت وجهي للذی فطر السموات و الأرض.[note] 1- دعاء من امير المؤمنين (عليه السلام) أثناء ذبح القربان[/note]
و أثناء إنجاز هذا العمل المقدّس يذکر الإنسان هذا الآية الکريمة من القرآن:
لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ [note] 2- سورة حج، آیة 37[/note]
و هذا يعني أنّ القلوب المتّقين و الغارقين في محبة الله و وُدّه، الذين يظهرون قليلاً من الخلوص و سرّ العبودية بذبح القربان، سوف يصلون إلی قرب المعبود و يتمتّعون بعناياته. أجل إنّ الله سبحانه و تعالی يطلب التقوی من الإنسان و حقيقة التقوی هي قتل هوی النفس و إزالة التفکير الشيطانيّ من القلب.
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [note]3- سورة نازعات، آیة 40 و 41 [/note]
والجنة التي هي مقام قرب الله سبحانه و منزلة أهل التقوی، معدّة لمن ترک الهوی لخوف الله.
يجب أن يُکبّ علی وجه الارض و يُذبح ذلک الحيوان الشرس و الضاري الذی أسکن وجود الأنسان. الحيوان الذي يتحرّک و يقفز في کل زمان و إلی کل مکان لکي يسدّ جوعه و يزيل عطشه. الحيوان الذی لا ينصرف عن أیّ عمل قبيح و فعل شنيع للوصول إلی اهدافها الدنيّة.
هذا هو الحيوان الخطر الذي يترصّد في سبيل حرکة الإنسان إلی المعبود و يمنعه من القرب إلی ساحته و النيل الی سعادة. أجل إنّ القربان الحقيقيّ و وسيلة قرب الإنسان ليس ذبح الغنم و نزف دمه و حسب، بل إنّه قتل و إجتثاث ذلک الحيوان المخطر.
و إذا أصبح بمقدور الإنسان إجتياز تلک الصفات الرذيلة و الخلُق الدنية التي يسدّ الطريق بينه و بين الخالق و سبيل السعادة و کذلک يصير الأنسان قادر علی إزالة الظلمات من صفحة القلب في ظلّ تربية شرعيّة و إکتساب معارف إلهيّة، و سوف يفتح أبواب الوصول إلی الله و يمهَّد قلب الإنسان الصافي و الطاهر لتوجّه نحوه سبحانه لکی ينجو:
بسم الله وجّهت وجهي للذی فطر السموات و الأرض.
(مأخوذ من کتاب «الحج برنامج للتطوّر» لسماحة آية الله ضياء آبادي)
يهنّئ موقع الرشد جميع أتباع الشريعة الأبراهيمية،
حلول عيد الأضحی المبارک،
الذی هو عيد الطاعة و الخلوص و مجال للسير في طريق قرب الله.
الهوامش: