” یا بنی اعلم أن الساعات تذهب عمرک و أنک لا تنال نعمه إلا بفراق أخرى فإیاک و الأمل الطویل فکم من مؤمل أملا لا یبلغه “

مقطع من وصیه الإمام السجاد (علیه السلام) الى ابنه

بعد واقعه کربلاء و قدوم أهل النبوه الى الشام، أقام یزید مجلساً عظیماً فی مسجد جامع دمشق لیحتفل بنصره و هو غارقاً فی سکر غروره. فی هذا المجلس العام الذی حضره جمیع الأسراء، قام خطیب من جانب الحکومه أُمر لیشتم فی أمیر المؤمنین و الإمام الحسین (علیهم السلام) و لیداوم العاده البذیئه التی کانت جاریه منذ زمن معاویه. و بعد انتهاء حدیث الخطیب، قام الإمام السجاد (علیه السلام) لیخطب قائلاً: ” یا یزید ائذن لی حتى أصعد هذه الأعواد فأتکلم بکلمات لله فیهن رضا و لهؤلاء الجلساء فیهن أجر و ثواب ” قد خاف یزید من عاقبه حدیث الإمام و قد خالفه فی بدایه الأمر و لکن فی النهایه بواسطه تحریک مشاعر عموم الناس، فقد اجبر أن یقبل بحدیث الإمام. عندما صعد الإمام المنبر، بدأ حدیثه بحمد لله و الثناء علیه، و فی إدامه الحدیث تحدث الى کثیر الحاضرین الذین أضاعوا الطریق بسبب التبلیغات الخاطئه التی کانت حکومه معاویه و ابنه یزید یبلّغ عنها ، و هم من ورائها قد نسوا وصیه الرسول الأکرم (صلی‏الله‏ علیه و آله‏ و سلم) فی مکانه أهل بیته و مقامهم و ما عرفوا منزله أهل البیت فی بناء الدین، و الإمام بعد أن عرّف نفسه قال:

“من عرفنی فقد عرفنی و من لم یعرفنی أنبأته بحسبی و نسبی أیها الناس أنا ابن مکه و منى(1) أنا ابن زمزم و الصفا . . .  “

تشیر هذه الجمله الى هذا المعنى أنه بما أننا لم نذهب الى منى هذا العام و لم نقف هناک و لم نبیت فیها(2) و لم نذبح الذبیحه، و لکن منى منّا، لأن منى مثل مکه و المدینه و حتى الکعبه نفسها کانت أرضا میته خرج الروح منها منذ سنین، و ها نحن بذهابا إلى کربلاء أحیاناها و من أحیا أرضاً مواتاً فهی له. (3) لا یصبح المرء مالکاً لمنى فقط بذبحه الذبیحه و الجمل، لأنه لا تحیی أرض منى بمثل هذا. بل تحیی بقربان الأب و الأخ و العم و الأصحاب و تقدیم الأسیر فی سبیل الله. و من هذه الجهه فنحن صاحب منى و نرثها؛ و کذا نحن وارثین للصفا و المروه و الکعبه. لأن قیامنا قد أحیا الکعبه، و هو قد أعطى الحج البهاء و حفظ کرامه الحج و إلا فإن ذبح الذبیحه و الطواف حول الکعبه و السعی بین الصفا و المروه هی أموراً سهله و یستطیع بها أی شخص.

ثم قال: ” أنا ابن من حمل على البراق فی الهواء أنا ابن من أسری به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى . . . أنا ابن محمد المصطفى أنا ابن علی المرتضى” ثم قال : ” أنا ابن فاطمه الزهراء أنا ابن سیده النساء . . . “

مع هذا الحدیث، فإن تلک المعرکه التی قد بدأت من المدینه لطلب بیعه یزید من الإمام الحسین (علیه السلام) قد انتهت مع انتصار الإمام الحسین (علیه السلام) فی دمشق. فقد انقلبت خطبه الإمام السجاد (علیه السلام) الأوضاع السیاسیه فی الشام، و قام الناس من نوم الغفله بعد أن احتفلوا بانتصار یزید و الحکومه الأمویه، و قد استبدل مجلس الاحتفال الى مجلس البکاء و الضجه و العزاء.

« مأخوذ من کتاب الحماسه و العرفان ، تألیف آیه الله الجوادی الآملی (مع زیاده التوضیحات) »

25 محرم الحرام، نعزی الذکرى السنویه لاستشهاد سید الساجدین و زینه العابدین

الإمام علی بن الحسین (علیه‏السلام).

—————————————————————————————————————

الحاشیه :

1- إن منى أرض قرب مکه و یُقام فیها الذبح (التی هی إحدى أعمال الحج).

2- لم یقم الإمام الحسین بمراسم الحج فی موسم الحج فی سنه 60 هجری بسبب الاضطرابات و تصمیم یزید بقتله، فلذا لم یحضر أرض منى. فبعد أن قام الإمام الحسین بأداء العمره، تحرک الى کربلاء.

3- قال رسول الله ( صلی الله علیه و آله و سلم ) : “من أحیا أرضاً مواتاً فهی له” (التهذیب ، المجلد 7 ، الصفحه 152)