إن برنامج شهر رمضان المبارك في الأساس هو برنامج صناعة الإنسان، حيث ان الإنسان المليء بالعيوب و الأمراض الروحية في هذا الشهر يقوم بتصفية نفسه الى إنسان سالم. و يقوم الإنسان السالم أيضاً بترويض نفسه ليصل الى الكمال. في الحقيقة إن برنامج شهر رمضان المبارك هو برنامج تزكية النفس، وإصلاح العيوب و رفع النواقص. هو برنامج التسلط على العقل و الإيمان و الإرادة ضد الشهوات النفسانية. و هو أيضاً برنامج الدعاء و عبادة الباري تعالى، و التحليق نحو الخالق و ترقية الروح.
إذا كان ينبغي أن يأتي شهر رمضان المبارك و يصوم فيه الإنسان ثلاثون يوماً عن الطعام و الشراب و يحرم نفسه من النوم و من ثم يسهر الليالي الى وقتٍ متأخر و يزور المجالس و الى أن يحين عيد الفطر، و يكون حاله كما كان في آخر شهر من شعبان من دون أي تغيير، فلا أثر على الإنسان لمثل هذا الصوم و إنما هو مجرد رفع التكليف. لا يريد الإسلام أن يصوم الإنسان بلا هدف، بل يريده أن يصلح نفسه بالصيام. فقد جاءت في الروايات عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: “كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع و الظمأ.[note]1- نهج البلاغة، الحكمة 145[/note] إن هدف تجنب عن الطعام الحلال طوال الشهر هو كي يتمرّن الإنسان من إغلاق فمه عن قول الحرام، و ألا يغتاب و لا يكذب و لا يتكلم بالفاحشة. بعبارة أخرى، فإن الصائم الذي يمسك عن أكل الطعام الحلال، ينبغي ألا يرتكب ما حرمه الله.
لقد روي أنه سمع رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) امرأة تسبّ جارية لها و هي صائمة فدعا رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) بطعام فقال لها:”كلي” فقالت: “إنّي صائمة” فقال:”كيف تكونين صائمة و قد سببت جاريتك إنّ الصّوم ليس من الطّعام و الشّراب فقط”[note]2- من لا يحضره الفقيه، المجلد 2، الصفحة 109، الحدیث 1861[/note].وقال (صلى الله عليه و آله وسلم): “إنّ هاتين صامتا عمّا أحلّ اللّه لهما و أفطرتا عمّا حرّم اللّه عليهما جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان لحوم النّاس”[note]3- الإشارة للآية 12 سورة الحجرات حيث يقول عز وجل:” … و لا يغتب بعضكم بعضًا أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه ” کشف الریبة، الشهید الثاني، الصفحة [/note] [note] 4 – مهجة البیضاء، المجلد 5، الصفحة 252 [/note].
فإذاً إذا صام الإنسان و قام بالسب و الغيبة، فذلك يعني انه أغلق فمه عن الطعام الحلال، و لكنه قام بالمقابل بتغذية روحه بالغذاء الحرام. فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): “إنّ العبد إذا كذب تباعد منه الملك من نتن ما جاء منه”. [note] 5- مستدرك الوسائل، المجلد 9، الصفحة 89 [/note] إن هذا هو من الأمور المعنوية و الباطنية و الملكوتية. إذا قيل إن في جهنم روائح نتنة، فإن عفونته هي تلك العفونة التي نخلقها في الدنيا؛ كتلك الأكاذيب التي نخلقها، وأيضاً السباب، الغيبة، و إلقاء التهم.
هل هو صحيحٌ أن يمر علينا شهر رمضان المبارك و لا نقوم سوى برفع التكليف بالصيام الظاهري في هذا الشهر، و ألا نطهّر أرواحنا عن الكذب و ذكر عيوب الناس و إلقاء التهم؟
(مأخوذ من كتاب “الإنسان الكامل”، من آثار الاستاذ الشهيد مرتضی المطهري (مع بعض التغييرات و الاضافات))
يبارك موقع الرشد مسلمي العالم و بالأخص أصدقاء الموقع الأعزاء،
بمناسبة حلول شهر الطاعة و العبادة و ربيع الرحمة و المغفرة،
شهر رمضان المبارك.
الهوامش;