صراحة النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) لم تبق مجالا علي أي شك و شبهة. لقد أمر النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) جميع الحاضرين لكي يبلّغ رسالته للغائبين. لكن بعد شهرين و نصف کان تصرف الناس کأنه لم يكن منطقة باسم غدير خم التي قرأ النبي خطبته فيها و نصب علياً (عليه السلام) خليفته. لقد رحل النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) من الدنيا و قد بايع الناس غير علي (عليه السلام) عاجلاً.
و الآن السؤال الذي يطرح نفسه أنه لماذا تجاهل المسلمين واقعة الغدير و وصية النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) المؤكد و اتخذوا طريقاً آخر؟ علی رغم التأكيدات النبي المتزايدة في إبلاغ أوامر الله في خلافة علي (عليه السلام) طيلة 23 سنة من رسالته لماذا لم يعمل الناس بها؟
يمكن البحث في هذه القضية من عدة جوانب. إن أول فرضية لذلك هي أن المسلمين من بعد النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) أعرضوا عن الإسلام. أما الوقائع التالية ليست مؤيدة لهذه الفرضية و السبب ان في هذه الفرضية يجب أن ينقلبوا علي أعقابهم و يرجعوا إلى عبادة الأصنام و لكن في الواقع لم يحدث ذلك.
أما في الفرضية الثانية فنقول ان المسلمين ما أرادوا أن يعرضوا عن الإسلام و لكنهم فقد خالفوا إحدى أوامر النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)؛ بعبارة أخرى و بالتوجه إلي الشواهد التأريخية، إن الكراهية و الحقد الذي كان لديهم على علي (عليه السلام) رادع لقبول النبوة و الخلافة معاً في عشيرة واحدة.
و أيضاً إن عدم مسامحة علي (عليه السلام) عن أحكام الله و أوامر النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) قد زاد في حقدهم و عدائهم عليه. و لكن إن هذه الفرضية ليست صحيحة أيضاً؛ لأن مع قطع النظر عن حسادة الشيوخ و زعماء القبائل و أيضا بغضّ النظر عن حقد بعض ما يحيقون شفرة عدل العلوي لكن إن إنزعاج و حقد كافة المسلمين علی علي (عليه السلام) امر بلامنطق و دون مستدلات عقلية. في حين أن وثائق التأريخية لم تقدم دليلاً علی ذلك.
و من هنا ما يتضح لنا عن طريق الشواهد التأريخية هو إن عامة المسلمين قد أصبحوا غافلا من هذه المسألة بسبب تضليل بعض هؤلاء الذين أعرضوا عن الإسلام. يعني أن هولاء الجماعة، يحرفون الناس عن السبيل الهداية و الجماعة الأخری يتبعونهم دون أي تفكر و منطق و تنسون الغدير. في الواقع يخدع الناس علی يد جماعة يبدوا أنهم من المسلمين ظاهرا و لم يؤمنوا بالله و برسوله في قلوبهم. والمسلمون يخدعون بالخريطة مكرهم و يطردون امر الله و رسوله.
إن القرآن الکريم يؤكد علی هذه المسألة؛ إن في القرآن آية نزلت بعد واقعة الغدير و قد يذكر فيها ولاية أميرالمؤمنين (عليه السلام). في هذه الآية تحذير للمسلمين بأن اليوم يئس الذين كفروا من دينكم؛ بمعنى ان “الكفر” الذي هو العدو الخارجي للإسلام لا يمكنه أن يضركم و يضر دينكم؛ فلذا لا تخشوا الكافرين. [note]1- “…اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلاتخشوهم …” (سورة المائده، الآية 3) [/note] و أما العبارة التالية فهي عجيبة جداً، حيث يقول الله: “و اخشون.” [note] 2- “… و اخشون …” (سورة المائده، آلاية 3)[/note]بالمعنى أن أقلقوا علیّ. ماذا يمكن أن يكون لهذا الحديث من معنى؟ كيف يمكننا أن نقلق تجاه إرادة الله و مشيئته؟
للجواب على هذا السؤال يجب الإشارة إلى أصلٍ كلّي ورد في القرآن الكريم، و هو: أن كل شيء معتمد بمشيئة الله و لا يقع أي حدث في العالم إلا بمشيئته.[note]3- “…تعز من تشاء و تذل من تشاء …” (سورة آل عمران، الآية 26) [/note]و لكن إن مشيئة الله هي مجموعة من القوانين التي يعبر عنها بالسنن الإلهية. [note] 4- “…ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم …” (سورة الرعد، الآية 11)[/note]إن إحدى هذه القوانين الإلهية هي أن الله لا يغيّر نعمة قوم بمشيئته حتى يغيّروا ما بأنفسهم.
على هذه الأساس يبين لنا قول الله بيانا أكثر: أيها المسلمون! إخشونِ؛ لأنه إذ تغيروا أخلاقكم و أعمالكم فإنني علي سنّتي و قوانيني و بسبب خروجكم من القابلية و الأهلية فسوف أسلب منكم نعمتي.
إن هذا البيان يتضح لنا تماماً بقول النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) إذ يقول: “إني ما أخاف على أمتي الفقر و لكن أخاف عليهم سوء التدبير.” [note] 5- عوالي اللئالي، المجلد 4، الصفحة 39[/note] و يقول أيضاً في مكانٍ آخر: “قصم ظهرى رجلان: عالم متهتك و جاهل متنسك.” [note] 6- عوالي اللئالي، المجلد 4، الصفحة 77[/note]
من قول الله في القرآن الكريم، و من قول النبي الأكرم (صلي الله عليه و آله و سلم)، يمكننا أن نفهم ان خطراً داخلياً يهدد الأمة الإسلامية و هو حضور جماعة قليلة من المنافقين الكيّسين و جماعة كبيرة أخرى من جهلة ساذجين و ضعفاء الإيمان.
وقد وقع هذا في الأحداث التي حدثت بعد الغدير. جماعة من المنافقين المنتهزين تتقلب الحقايق بالدعايات الجذّابة كي بعد مدة قليلة من رحال النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) لم يبق عند وصيه حتی 40 ناصر صديق. كما أن “السامري” برغم كثير من المعاجز و الآيات الإلهيه علي اقل من 40 يوم و مع الدعايات الفتانة للحمقاء قد وضع وصي موسي (عليه السلام) جانبا و التزم بني اسرائيل بعبادة العجل.
نعم! لقد كان الأمر بهذا الشكل و سوف يبقى على حاله … هل الأضرار التي تحل بالمسلمين في العالم تأتي أكثر عن طريق أنفسهم أو عن طريق العدو الخارجي؟
«مأخوذ من كتاب “خمس عشر حديثاً”، التأليف: “الأستاذ الشهيد مرتضي المطهري” (مع التلخيص و الإضافات)»
يبارك و يهنئ موقع الرشد جميع المسلمين
و بالأخص أصدقاء الموقع الأعزاء،
ذكرى حلول عيد غدير خم
يوم إكمال الدين بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام).
الهوامش: