يوجد لمفهوم الولاية معاني متعدده منها ما هو مشترک بین المجتمعات البشریّة کلّها. فإن هذا الموضوع في جميع المجتمعات يبيّن الأولویة الخاصة على غیره مهما تنوعت تلک المجتمعات و تعددت و لأجل هذه الأولویة يجد مسئولية خاصة علی من یتولی أمره. و مثال هذا، إن أقرب الناس علی الطفل هو الأب و من بعده قد يكون العم، الخال و الأم و … و هم أولياء الطفل و المسئولون عنه. فلذا نجد أن الولاية أمر عرفي و یحدده العرف السائد او القوانین الخاصة فی ذلک المجتمع.
و الی جنب هذا المعنی العرفي ، هناك مفهوم آخر یحدده الدين فقط؛ فمثلاً إن المسيحيین الكاثليك یلتزمون بأن البابا یتولّی أمرهم الدینیاً.
و امّا في الإسلام فهناك صنفان من الولاية علی المسلمین:
1- ولایة المسلم على أخیه المسلم
2- ولایة الله على المسلمين
و هناک حدیث تذکره المصادر الحدیثیة للإمامیة تتضمّن حق المسلم علی أخیه المسلم و التی تبلغ إلی أکثر من ثلاثین حقا. و الی جنب هذا ولایة لله علی خلقه و منهم المسلمون الذین یقرّون بهذا الحق و ان کان غیرهم ینکره. و لکن الله یستطیع أن یعطی هذا الحق إلی رسوله و أولیائه و الحدیث الغدیر و عبارة “من کنت مولاه فعلی مولاه” یبین إعطاءهذه الولایة من الله إلی أمیرالمؤمنین (علیه السلام)
فإن “الولي” له معنیان فی اللغة:
الف) القرب و الدنو: و قد جائت الإشارة الی هذا المعنا فی الآیة: “يا ايها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونکم من الکفار …” [note]1-سورة التوبة، الآیة 123[/note]و هذا المعنى لسنا لسدد البحث عنه.
ب) ملک حق الأمر و النهی و یقابله حق الإنقیاد و الطاعة: و قد جائت الإشارة الی هذا المعنا فی الآیة “انما وليکم الله و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزکاة و هم راکعون” [note]2-سورة المائدة، الآیة 55[/note]
و مهما اجتهدنا فی تتبع معنی الکلمة فلن نحصل علی أکثر من هذین المعنیین إلا أن معاجم اللغة توسّعت فی ذلک توسعاً قریباً فقد جاء فی کثیر منها ما یقرّب من سبعین مورداً لهذه الکلمة. و لكننا نثق وثوقاً تاماً بأن ما ذکروه لا یعدوه المعنی الأول أو الثانی لهذه الکلمة و باقي ما ذکروه هی مصادیق للولی لا معانی مترادفة له.
فمثلاً إذا أطلق علی الأب و الأم و العمّ و مالک شیئی و … الولی، فهی من مصادیق هذا المعنی لا إنها تکون مفاهیما مترادفة للولی. فمثلاً إن الأب یتولّی أمر الإبن و يكون اختيار الأمور في يده فيكون هو الوليّ؛ و لكن لا يترادف الأب و الوليّ مفهوماً. لذا، إذا مات أب الطفل و يكون الجدّ حیّاً، فيُقال إن الطفل “ليس له أب”، و لكن لا يمكن القول أن الطفل “ليس له وليّ”؛ و السبب في ذلك هو أن الجدّ يكون وليّه و يقوم بشئونه.
و إن مالك الشيء هو ایضاً من مصاديق الولي لأن مالك الشيء هو الذی یتصرّف فی الشیئ تصرفاً تقرّره القوانین و الأنظمه المعاشه ؛ و لكن لا يترادف المالك و الوليّ ترادفاً یکون معناهما نفس معنی الآخر.
و على هذا الأساس فإن كلام رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) في يوم الغدير كان على هذا النحو: “من کنت مولاه -أی الذی أنا اتولّی أمره- فعلی مولاه -أی هو الذی یتولّی أمره بعدی-“
و بهذا المعنا صرّح الإمام الشافعي – أحد كبار علماء أهل السنة – و یقول فی معنا حديث الولایة و ما جاء فی معنا قوله (صلی الله علیه و آله و سلّم) یوم غدیر خم:
“«من کنت مولاه فعلی مولاه» یعنی بذلک ولاء الإسلام و ذلک قول الله عزوجل:«ذلک بأن الله مولی الذین آمنوا و أن الکافرین لا مولی لهم»[note]3-سورة محمد (صلی الله علیه و آله و سلّم)، الآیة 11[/note]
و أما قول عمر بن الخطاب لعلی: «أصبحت مولی کل مؤمن»، یقول: ولی کلّ مسلم”[note]4-تاریخ دمشق، المجلد 42، الصفحة 238 [/note]
و معنا قول الإمام الشافعی ، هو ما ذکرناه و بهذا نفهم منه تولّی رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلّم) أمر المسلمین و من بعده علی أمیر المؤمنین (علیه السلام) ؛ و اشار إلی ما جاء فی الآیة 11 من سورة محمد(صلی الله علیه و آله و سلّم) و هذه الآية تبيّن ولایة الله التشریعيّة و حق أمره و نهيه علی المؤمنين. و بناءاً علی تفسیر الإمام الشافعی فقد اعطی الله الولایة التی کانت لنفسه اولاً و بالذات منحها لرسوله و لأمير المؤمنين (علیه السلام).
(أخذ من “الإمامة الإلهية”، سلسلة دروس آیة الله محمد رضا الجعفري (بتصرف و تلخیص))
إن موقع الرشد یهنئ مسلمي العالم کافة و خاصة اصدقائنا الأعزّاء
بمناسبة ذکری عید الولایة
عید غدیر خم.
سائلین من المولی ان یمنّ علی الجمیع برحمته و لطفه و أن یرعاهم دیناً و دنیا و آخرة
إنه نعم المولی و نعم النصیر
………………………………………………….
الهوامش: