بني الإسلام علي أركان يتقوّم بها و ينهدم دونها و لا يبقي منه إلا اسماً بلا مسمي . و الحج احد هذه الأركان و هو بالغ الأهمية بحيث قال الله تبارك و تعالي في تركه متعمدا : ” و من كفر ( و ترك الحج متعمدا فلا ضرر الا علي نفسه ) ، فإن الله غني عن العالمين ” .
الحج ميراث إبراهيم و جميع الأنبياء و هو مجموعة كاملة من أوامرعملية يجب أن تنفذ بنظم خاص و قواعد واضحة في طول مشخص من الزمان. فإن مناسك الحج قد تجلت من قـِبل الوحي و تعلـّمها الرسول الأكرم ( صلي الله عليه و آله و سلم ) من جبرائيل و هو ملك الوحي الأمين و معلّم نفس المناسك لإبراهيم الخليل ( عليه السلام ) .
إن الحاج بعد رمي الجمرة العقـبة و قبل الحلق أو التقصير ، يذبح غنماً أو بقراً في وادي المني . هذه السنة الإلهية في الحج توجب قرباً خاصاً إلي الله سبحانه و تعالي لا يوجد مثله في عبادات أخري إلا قليل . و بيان ذلك أن في الجاهلية لم تكن التضحية بريئة من دنس الشرك فهي ممتزج بالشرك مثل تلبية المشركين و صلوتهم . كما كانوا يقولون في التلبية : ” لبیک اللهم لبیک، لبیک لا شریک لک الا شریک هو لک تملکه و ما ملک” و ما كان صلوتهم عند البيت إلا مكاءاً و تصدية . و كانوا يدنّسون الكعبة بدم الضحية بعدها و يعلّقـون شيئا من لحمها بالكعبة كي يتقبّـلها الله تعالي منهم .
اما الإسلام فقد جعل حرمتاً خاصة للتضحية و بعد بيان ضرورة حرمة الشعائر الإلهيه ، و للرّد علي تلك السنة القبيحة الجاهلية و لبيان القرب الخاص الذي يحصّـل من التضحية و عسي أن تكون بسببه تسمي بالقربان ، يقول : ” لن ينال الله لحومها و لا دماءها و لكن يناله التقوي منكم” . لأن هذه الآية الشريفة تطهر الكعبة من تلك السنن الجاهلية من جهة و من جهة أخري تقول في دفع شبهة مقدرة و هي ” أنه لا تجب علي الحاج التضحية لأن الله سبحانه و تعالي غني عن العالمين ” ، أن أصل التضحية ضروري رغم غناء الله عزوجل منها و الذي يناله من ذلك ليس دمائها و لا لحومها بل يناله روح العمل و هو التقوي . لذا ما ينال الله تعالي هو روح العمل و باطنه . فإن للتضحية كسائر الأعمال و المناسك حقيقة و هو التقوي و إن قدسيتها و تعاليها من قبل التقوي لا من قبل لحومها و دمائها ( يناله التقوي منكم).
و الإمام علي بن الحسين ( عليه السلام ) قد يبيّن لنا في حديث لمعة سرّ التضحية و هو أن يتمسّـك الحاج بحقيقة الورع لذبح حنجرة الشيطان الطمع فيقتله. و يمكن أن يكون سبب تسمية عيد الأضحي بالحج الأكبر هو التقوي الثمينة الموعودة في التضحية.
اضافة الي هذا فقد توجد نكتة لطيفة أخري في الآيات و الروايات ينتفع بها غير الحاج ايضا و توضح لنا منظر الإسلام إلي الأعمال و العبادات أكثر و هي أنه كل عمل يقصد به التقرب إلي الله عز وجل فهو قربان كما جاء في الحديث الشريف ” ان الزکاة جعلت مع الصلاه قربانا لاهل الاسلام ” . فلهذا كل عمل يوجد فيه التقرب إلي الله عزوجل فهو قربان و ” إنما يتقبل الله سبحانه و تعالي من المتقين “.
( مأخوذ من كتاب ” صهباء الحج ” ، تأليف : ” آيت الله الجوادي الآملي” )
نبارك جميع العباد بقدوم
عـيــد الأضـحـي
عيد تحرر من العلائق و المنايا و الرغبة في العمل و النظر إلي رضاية المحبوب