لقد انتشر الظلم و الجور و الحروب بكثرة في زمننا بين العباد لدرجة لم تبق للإنسانية أية قيمة لدى البشر و قد يكون ذلك سبباً ليأس العبد. و السؤال الذي يطرح نفسه في ظل هذه الظروف هو ما هو الأمل الوحيد للبشر لیحرکه و ينقذه من يأسه و بأسه؟
إن هذا الأمل يتلخص -من منظورنا الإسلامي الأصيل- في أن الله تقدست أسماؤه قطع لبني الإٍنسان عهداً و وعداً صادقين لا سبيل إلى التراجع عنهما، يتمثلان، في أن مسيرتهم لابد لها من أن تنتهي إلى السعادة الحقيقية و استتباب العدل و القسط بين الناس. ونحن نجد هذا الوعد الإلهي مدوناً بصراحة و وضوح لا سبيل الى الشك فيه؛ في التاريخ، و بالتحديد في الكتب و الرسالات السماوية بلا استثناء، و قد أكدت عليه بالخصوص الرسالة الإسلامية، و صاحبها سيدنا و حبيب قلوبنا محمد )صلى الله عليه وآله(، حيث نقرأ في الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية الشريفة، و تلك التي رويت عن الأئمة الأطهار )عليهم السلام(، التأكيد المتواصل و المستمر على هذه الحقيقة، كقول الله تعالی: “و نريد أَن نّمنّ على الَّذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أَئمّة ونجعلهم الوارثين[note]1- سورة القصص، الآیة 5[/note][note]2- جاء في العديد من روايات أهل البيت (عليهم السلام) إن هذه الآية نزلت فيهم (يمكنكم الرجوع الى معاني الأخبار، الصفحة 79؛ نهج البلاغة، الحکمة 209؛ تفسیر فرات الکوفي، الصفحة 313…)[/note]” و كقول النبي (صلى الله عليه وآله) في حديثه المعروف: «لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لطوّل الله تلك الليلة حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي و … يملأها قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجورا…»
[note]3- کشف الغمة، المجلد 2، الصفحة 474[/note][note]4- لقد نقل مضمون هذا الحدیث في منابع متعددة لأهل السنة مثل مسند أحمد، المجلد 3، الصفحة؛ سنن أبن ماجة، المجلد 2، الصفحه 929…[/note]
و هكذا فإن الرسول (صلى الله عليه وآله) يريد من خلال بياناته الشريفة في هذا الحديث أن يؤكد لنا أن سنة ظهور الإمام، و تحقق العدالة الإلهية، و امتلاء الأرض بالقسط و العدل. كلّ ذلك إنما يمثل سنة ثابتة لا يمكن أن تتغير، و لابد لها من أن تتحقق و تقع، و إن تطلّب ذلك و استوجب حدوث تغيير في طبيعة الكون؛ كأن يطول اليوم الأخير من الحياة الدنيا، و يمتد إلى اكثر مما هو مألوف، و هو الأربع و العشرون ساعة. وبالطبع؛ فإن الحديث الشريف لا يعني أنه سيبقى يوم واحد من عمر هذه الدنيا، ثم يطوّل الله تعالى هذا اليوم، بل إنه بصدد بيان الأهمية الفائقة التي يتمتع بها هذا الحدث العظيم، و كونه من الحتميات التي لابد من حدوثها، فإن هذه الواقعة العظيمة حقيقة وعد الله بها [note]5- “وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا..” (سورة النور، الآیة 55)[/note]و إن الله لا يخلف الميعاد.[note]6- «…إِنَّ اللَّه لا يخلف الميعاد»(سورة آل عمران، الآیة 9) [/note]
حيث أن هذه البشرية المنهكة المعذبة التي عانت الأمرّين من نزوات حكّامها و طغاتها، تنتظر على أحرّ من الجمر هذا اليوم الموعود الذي ستذوق في ظله الطعم الحقيقي للسعادة، حيث سيظهر الإمام المهدي عجل الله فرجه، و يوحد تحت رايته التوحيدية جميع القوميات و الطوائف البشرية بجميع ميولها وانتماءاتها الدينية والقومية.
إن الأمل بمستقبلٍ مشرق و حتمي حيث ينتشر العدل في كل العالم و ينتهي زمن الجور و تعدي علی الحقوق و الكرامة الإنسانية، سوف يكون باعثاً للأمل في قلوب العباد و يأخذ الإنسانية طريقه في الكمال الى الحياة السعيدة.
(مأخوذ من کتاب “الإمام المهدي(عج) قدوة الصدیقین”، لآیة الله السید محمد تقي المدرسي (مع بعض التغییر))
بمناسبة حلول المنتصف من شعبان،
يبارك و يهنئ موقع الرشد تمام المنتظرين
ذكرى مولد حجة الله في الأرض، و موعود الأديان الإلهية،
الإمام الحجة بن الحسن العسکري (عجل الله تعالی فرجه الشریف).
الهوامش: