لم يبق سوى دقائق قليلة من ليلة النصف من شعبان، دقائق تمر بمهلٍ و كأنها تعادل سنيناً للمنتظرين … و في الأخير حلّ الليل بالدقائق الأخيرة ثم بدأ عدّ الثواني. و كانت كل ثانية تمر ببطءٍ تلو الأخري، فإذا بنورٍ ساطع جاء البشرى بميلاد المولود. جاء المولود الى الدنيا و قد زيّن الدنيا و نوّرها موعود عالم البشرية. و في هذه الأثناء غرقت أمّه نرجس في الافتخار و التباهي بهذا المولود، و بكل تكبير و تحميد خرجت أصوات الفرح و التهنئة و الإبتهاج.
نعم! فهذا الفخر خاص بأهل بيت النبوة بأن الموعود الذي ينجّي الإنسان من الظلم و الجور و يقوم بتأسيس النظام العالمي يكون منهم.
لقد طُرحت فكرة إنشاء حكومة و مجتمع عالمّي في زماننا اليوم أكثر من أي زمنٍ آخر، و قد تأسست مجامع عالمي باسم الوحدة و لايجاد علاقات بين كافة الأمم. بما انّ لهذه التشكيلات أغراضاً سياسية، و لكن يتبيّن من تشكيل هذه الجمعيات أنّ نوعاً من الاتحاد و الوحدة الإجتماعية و الدينية و السياسية مطلوب روح الإنسان و فطرته، فلذا انّ هذه التحركات المجازيّة مقدّمة للتحركات و الاستعداد الحقيقيّ لتلك الحكومة العالمية.
و الإنسان الذي قد نال بقواة الطبيعة و يدّعي بأنّه يقدر على ألا يترك على وجه الأرض دابةً هل يقعد و يعرض عن الحرب؟ و في واقع الأمر كيف نتوقّع أنّ الإنسان الذي يعرض عن المعنوية و الأخلاق و يتوسّل بأيّة وسيلة كي يصل إلى أهدافه الطموحية، يعيش في السلم و السكينة؟
ففي هذا الطريق و كما أخبرنا الروايات القطعية الإسلامية منذ قرون ماضية فإنّه سوف يأتي على الدنيا أصعب المشكلات و سيشتعل نار الظلم و الجور في كل مكان. في هذا الزمان ستعجز الدول من الأمر و تهدّد الحروب و سفك الدماء نسل البشرية بالانقراض. و حينها فإن الأمم الضعيفة و المستضعفة لن تحصل على أية نتيجة من توسلها الى المؤسسات الداعمة حقوق البشر و لتراعي الأمم الصغيرة. في هذه الأثناء تتطوّر الأسلحة الهالكة الى أكثر حد، و لكن علي العكس تذهب الصفات الإنسانية المتعالية من المجتمع و تعوّض بها المفاسد الأخلاقيّة و الأجتماعيّة.
أ لن تكون كل هذه العلل و العوامل سبباً للبشر بعد سلسلة طويلة من الثورات العالمية التي لم ترى لها أية ثمرة سوى إزالة الحضارة و الأخلاق لكي يقبل بتشكيل حكومة عادلة روحانية على أساس الإيمان بالله و المعاد؟
فلذا في هذه الآونة سيقوم مصلح إلهي عظيم قد بُشّر بظهوره مع تمام المیزّات و الخصائص، و يقوم بإصلاح عام في تمام العالم و يختم بذلك كل المتاعب و المشاكل.
إن هذا المصلح العظيم الشأن، كما قد روي في المنابع الإسلامية، سيظلّ على العالم لواء حكومة الحق و العدل. و في حكومته ستجری كل الأحكام السماوية و الموازين و القوانين الإلهية على ساحة العالم، و تقوم المؤسسات تعمل في طريق رفاهية الناس و العمران، و في الآخر بسبب تقدّم الحياة فلن يكون هناك فقير على ظهر الأرض. (1)
و في أخبار مسلّمة بشّر رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) بهذا اليوم العظيم و قال : “لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد، لطوّ ل الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً”.(2)
كلنا و كل إنسان في انتظار هذا اليوم و نعدّ الغد منيراً و متلألأً، و لذا بروحٍ نشطٍ و أملٍ مشرق نقوم بواجبنا و نبارك مجتمع البشرية الإحتفال بذكري مولد منجي البشرية خاصّتاً هؤلاء الذين يتعبون من ظلم الظالمين و ظلمات الدنيا و ظلام الفساد.
“اللهم عجّل فرجه و سهل مخرجه واجعلنا من أنصاره وأعوانه”
« مأخوذ من کتاب “بشارة الأمن و الأمان”، تألیف آیت الله العظمی الصافی الگلپایگانی (مع بعض التصرف) »
بمناسبة حلول منتصف شعبان، يبارك و يهنّئ موقع الرشد
كل العالم و منتظريه بذكرى ولادة
حافظ دين الله، منجي البشرية و مقضي العدل الإلهي
الحجّة بن الحسن العسكري )عليه السلام(.
……………………………………..
الهوامش:
1- لقد نقل هذا المطلب حرفاً بحرف في روايات مسلم عن طريق الشيعة و السنة، و للاطلاع أكثر حول هذا الموضوع يمكنكم مراجعة كتاب “منتخب الأثر”، تأليف أية الله الصافي الگلپايگاني.
2- قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) : “لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد، لطوّ ل الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً”. (الغيبة للشيخ الطوسي، الصفحة 180)– لقد نقل هذا الحديث، مع اختلاف جزئي في الكلمات، في منابع متعددة نذكر بعضها:
منابع الشيعة : كمال الدين، الصفحة 280 – كشف الغمة، المجلد 3، الصفحة 244- مجمع البيان، المجلد 7، الصفحة 120 و …
منابع أهل السنة: سنن أبي داوود، المجلد 2، الصفحة 310- مسند أحمد، المجلد 1، الصفحة 99 – در المنثور للسيوطي، المجلد 6، الصفحة 58 و …