إن محبة أهل البيت (عليهم السلام) بلا شك من أثمن الكنوز التي يمكن أن يفتخر بها الشيعة. و لكن هل تكفي هذه المحبة بوحدها لكي ندّعي أننا من شيعتهم و متّبعيهم؟ يمكن الحصول على أجوبةٍ مختلفة على هذا السؤال من خلال التدقيق في سيرة أهل البيت (عليهم السلام) …
لقد رُوي عن الإمام الحسن العسکري (علیه السلام) أنه لما جعل المأمون إلى علی بن موسى الرضا (علیه السلام) ولایة العهد دخل علیه آذنه فقال: “إن قوما بالباب یستأذنون علیك یقولون نحن من شیعة علي (علیه السلام)” فقال (علیه السلام): “أنا مشغول فاصرفهم” فصرفهم إلى أن جاءوا هکذا یقولون و یصرفهم شهرین ثم أیسوا من الوصول فقالوا: “قل لمولانا إنا شیعة أبیك علي بن أبی طالب (علیهما السلام) قد شمت بنا أعداؤنا فی حجابك لنا و نحن ننصرف عن هذه الکرة و نهربمن بلادنا خجلا و أنفة مما لحقنا و عجزا عن احتمال مضض ما یلحقنا من أعدائنا”
فقال علي بن موسى (علیهما السلام): “ائذن لهم لیدخلوا” فدخلوا علیه فسلّموا لم یأذن لهم بالجلوس فبقوا قیاما.
فقالوا: “یا ابن رسول الله ما هذا الجفاء العظیم و الإستخفاف بعد هذا الحجاب الصعب؟ أي باقیة تبقى منا بعد هذا؟”
فقال الرضا (علیه السلام): “إقرؤوا «و ما أصابکم من مصیبة فبما کسبت أیدیکم و یعفوا عن کثیر»(1) و الله ما اقتدیت إلا بربي عز و جل و برسوله و بأمیر المؤمنین و من بعده من آبائی الطاهرین (علیهم السلام) عتوّا ً علیکم فاقتدیت بهم.” قالوا: “لما ذا یا ابن رسول الله؟”
قال: “لدعواکم أنکم شیعة أمیر المؤمنین. ویحکم! إن شیعته الحسن و الحسین و سلمان و أبوذر و المقداد و عمار و محمد بن أبي بکر الذین لم یخالفوا شیئا من أوامره و أنتم فی أکثر أعمالکم له مخالفون و تقصرون فی کثیر من الفرائض و تتهاونون بعظیم حقوق إخوانکم فی الله … لو قلتم إنکم موالیه و محبوه و الموالون لأولیائه و المعادون لأعدائه لم أنکره من قولکم و لکن هذه مرتبة شریفة إدعیتموها إن لم تصدقوا قولکم بفعلکم هلکتم إلا أن تتدارککم رحمة ربکم.”
قالوا: “یا ابن رسول الله! فإذا نستغفر الله و نتوب إلیه من قولنا بل نقول کما علمنا مولانا: «نحن محبوکم و محبو أولیائکم و معادو أعدائکم»” قال الرضا (علیه السلام): “فمرحبا بکم إخواني و أهل ودّی إرتفعوا”
فما زال یرفعهم حتى ألصقهم بنفسه ثم قال (علیه السلام) لحاجبه: “فقد محوا ما کان من ذنوبهم باستغفارهم و توبتهم و إستحقوا الکرامة لمحبتهم لنا و موالاتهم و تفقّد أمورهم و أمور عيالاتهم فأوسعهم نفقات و مبرّات و صلات و دفع معرّات.” (2)
على أساس الحديث المذكور، يمکن إدعاء التشيع و المحبة لأهل البيت (عليهم السلام) فقط للذين يتّبعون كلام و أفعال أهل البيت (عليهم السلام) في جميع الأصعدة. ببيان آخر، إن معيار تشخيص الشيعة الحقيقيين ليس فقط محبة أهل البيت (عليهم السلام)، بل أيضاً مدى طاعتهم و الإقتداء بهم في طاعة الله عز وجل.
(مأخوذ من کتاب “الإحتجاج علی أهل اللجاج”، التألیف المرحوم العلامة الطبرسي (ره))
بمناسبة آخر صفر ، يعزي موقع الرشد مسلمي العالم
و بخصوص أصدقاء الموقع الأعزاء،
ذكرى إستشهاد إمام الهداية و دليل الخير و السعادة
الإمام علي بن موسی الرضا(علیه السلام) .
الهوامش:
1-سورة الشوری، الآیة 30