“حلّال المشاكل”

لكن كان الأئة المعصومين (عليهم السلام) مطيعين للأوامر الإلهية في حياتهم الكريمة. بما انه كانت لديهم قدرات إلهية فائقة و فوق عادة البشر ولكنهم لم يكونوا يستخدمون تلك القدرات و المواهب في حياتهم حتى و إن كان الله أعطاهم الأذن لذلك. ننقل في هذا الجانب واقعة جميلة للإمام زين العابدين (عليه السلام) عن لسان الزُهري:

كنت عند عليّ بن الحسين (علیه السلام) فجاءه رجل من أصحابه فقال له عليّ بن الحسين (علیه السلام) ما خبرك أيّها الرّجل فقال الرّجل خبري يا ابن رسول اللّه أنّي أصبحت و عليّ أربعمائة دينار دين- لا قضاء عندي لها و لي عيال ثقال ليس لي ما أعود عليهم به.

قال فبكى عليّ بن الحسين (علیه السلام) بكاءً شديداً فقلت له ما يبكيك يا ابن رسول اللّه فقال و هل يعدّ البكاء إلّا للمصائب و المحن الكبار قالوا كذلك يا ابن رسول اللّه قال فأيّة محنة و مصيبة أعظم على حرّ مؤمن من أن يرى بأخيه المؤمن خلّة فلا يمكنه سدّها و يشاهده على فاقة فلا يطيق رفعها.

قال فتفرّقوا عن مجلسهم ذلك فقال بعض المخالفين و هو يطعن على عليّ بن الحسين (علیه السلام) عجباً لهؤلاء يدّعون مَرَة أنّ السّماء و الأرض و كلّ شي‏ء يطيعهم و أنّ اللّه لا يردّهم عن شيء من طلباتهم ثمّ يعترفون أخرى بالعجز عن إصلاح حال خواصّ إخوانهم.

فاتّصل ذلك بالرّجل صاحب القصّة فجاء إلى عليّ بن الحسين (علیه السلام) فقال له يا ابن رسول اللّه بلغني عن‏ فلان كذا و كذا و كان ذلك أغلظ عليّ من محنتي فقال عليّ بن الحسين (علیه السلام) فقد أذن اللّه في فرجك يا فلانة احملي سحوري و فطوري فحملت قرصتين فقال عليّ بن الحسين (علیه السلام) للرّجل خذهما فليس عندنا غيرهما فإنّ اللّه يكشف عنك بهما و ينيلك خيراً واسعاً منهما.

فأخذهما الرّجل و دخل السّوق لايدري ما يصنع بهما يتفكّر في ثقل دينه و سوء حال عياله و يوسوس إليه الشّيطان أين موقع هاتين من حاجتك فمرّ بسمّاك قد بارت عليه سمكته‏ قد أراحت فقال له سمكتك هذه بائرة عليك و إحدى قرصتيّ هاتين بائرة عليّ فهل لك أن تعطيني سمكتك البائرة و تأخذ قرصتي هذه البائرة فقال نعم فأعطاه السّمكة و أخذ القرصة ثم مرّ برجل معه ملح قليل مزهود فيه فقال هل لك أن تعطيني ملحك هذا المزهود فيه بقرصتي هذه المزهود فيها قال نعم ففعل فجاء الرّجل بالسّمكة و الملح فقال أصلح هذه بهذا فلمّا شقّ بطن السّمكة وجد فيه لؤلؤتين فاخرتين فحمد اللّه عليهما فبينما هو في سروره ذلك إذ قرع بابه فخرج ينظر من بالباب فإذا صاحب السّمكة و صاحب الملح قد جاءا يقول كلّ واحد منهما له يا عبد اللّه جهدنا أن نأكل نحن أو أحد من عيالنا هذا القرص فلم تعمل فيه أسناننا و ما نظنّك إلَا و قد تناهيت في سوء الحال و مرنت على الشّقاء قد رددنا إليك هذا الخبز و طيّبنا لك ما أخذته منّا فأخذ القرصتين منهما فلمّا استقرّ بعد انصرافهما عنه قرع بابه فإذا رسول عليّ بن الحسين (علیه السلام) فدخل فقال إنّه يقول لك إنّ اللّه قد أتاك بالفرج فاردد إلينا طعامنا فإنّه لا يأكله غيرنا.

و باع الرّجل اللّؤلؤتين بمال عظيم قضى منه دينه و حسنت بعد ذلك حاله. فقال بعض المخالفين ما أشدّ هذا التّفاوت بينا عليّ بن الحسين لايقدر أن يسدّ منه فاقة إذ أغناه هذا الغناء العظيم كيف يكون هذا و كيف يعجز عن سدّ الفاقة من يقدر على هذا الغناء العظيم.

فقال عليّ بن الحسين (علیه السلام) هكذا قالت قريش للنّبيّ (صلیه الله علیه و آله) كيف يمضي إلى بيت المقدس و يشاهد ما فيه من آثار الأنبياء من مكّة و يرجع إليها في ليلة واحدة من لا يقدر أن يبلغ من مكّة إلى المدينة إلّا في اثني عشر يوماً.

[من أجل توضيحٍ أكثر يذكر الإمام (عليه السلام) في وصف القدرة الإلهية للمعصومين:]

 ثمّ قال عليّ بن الحسين (علیه السلام) جهلوا و اللّه أمر اللّه و أمر أوليائه معه إنّ المراتب الرّفيعة لا تنال إلّا بالتّسليم للّه جلّ ثناؤه و ترك الاقتراح عليه و الرّضا بما يدبّرهم به إنّ أولياء اللّه صبروا على المحن و المكاره صبراً لم يساوهم فيه غيرهم فجازاهم اللّه عزّ و جلّ بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم لكنّهم مع ذلك لا يريدون منه إلّا ما يريده لهم(1).

(مأخوذ من کتاب “بحار الأنوار، المجلد 46″، أثر المرحوم العلامة المجلسی (مع بعض الإضافات))

بمناسبة حلول الخامس من شعبان،

يبارك و يهنئ موقع الرشد مسلمي العالم  و بالأخص أصدقاء الموقع الأعزاء،

ذكرى ولادة زين العابدين و سيد الساجدين،

الإمام علي بن الحسین السجاد (علیه السلام).

الهوامش:

1.        الأمالي لشیخ الصدوق، الصفحة 453.