لقد صادف إمامة زين العابدين (عليه السلام) فترة الفجائع الرهيبة التي ارتكبها بنو أمية و بنو مروان باسم الإسلام. في زمنٍ كان اليزيديون يدّعون أنهم خلفاء رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) ، كان الإمام السجاد (عليه السلام) يبيّن المعارف العميقة في الأدعية ليضيء طريق الحق، و لقد تم جمع هذه الأدعية في الصحيفة السجادية.
إن إحدى هذه الآثار الثمينة هي رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام). يحتوي هذا الكتاب على 51 حقاً بحيث كل واحد منه يحتوي على كمية هائلة من المعارف الإنسانية.
في سبيل المثال ، الحق الثالث الذي يطرحه الإمام (عليه السلام) هو حق اللسان ، و ما يلي بحثٌ بسيط حول هذا الحق على أساس الروايات:
طبقاً لكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) فإن ميزة الإنسان الذي يفضّله من سائر المخلوقات العقل و منطق و البيان… (1) يمكن للإنسان إعادة بناء الكثير من المفاسد الإجتماعية باللسان الطيب، و يبدّل الكراهية و العداوة الى الصداقة، و قد يحصل العكس بحيث إن اللسان البذيء و السيء قد يدمّر العلاقات الحميدة و يبدّل الصداقة و المحبة الى العداوة و البغضاء:
قال الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله و سلم) في أهمیة حفظ اللسان:
“و هل يكب الناس على مناخر هم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟” (2)
على رغم ان اللسان من أصغر الأعضاء الجسد، و لكن إن هذا العضو الصغير يكون سبباً لأعظم و أثقل الأفعال و التصرفات.
إن التحكّم هذا اللسان يكون سبباً للراحة و الطمأنينة و النجاة من العذاب الإلهي يوم القيامة، و إذا لم يتمكّن الإنسان أن يتحكم لسانه و أصبح طليق اللسان فذلك سوف يجرّ سائر الأعضاء و الجوارح للمصائب الدنيوية و الآخروية.
يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام) في حق هذا العضو:
“و أما حق اللسان فإكرامه عن الخنا و تعويده على الخير و حمله على الأدب و إجمامه إلا لموضع الحاجة و المنفعة للدين و الدنيا و إعفاؤه عن الفضول الشنعة القليلة الفائدة التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها و يعد شاهد العقل و الدليل عليه و تزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه…” (3)
فلذا يجب على الإنسان أن يعتبر هذا العضو أعلى من أن يستخدمه في الأمور البذيئة و الذميمة، إن الله تعالى لم ينعم على الإنسان نعمة اللسان في أمور الفحش و الغيبة و التهمة و الأمور الممنوعة و المذمومة الأخرى و الغير مفيدة، و إن وظيفة اللسان هو إيجاد الألفة و العلاقة الصميمة و المعاملة الطيبة على أساس الأدب و العقل و الشرع.
فإذاً، إذا كان لسان الإنسان عاملٌ للسعادة أو دليلٌ للشقاوة، فإذاً الى أي طريق يوجّهنا لساننا؟ هل هو نارٌ يُحرق أعمالنا بالتباهي أو هو ماءُ حياة يفيض لنا سُبل أخرى؟
(مأخوذ من کتاب “سیر في رسالة الحقوق”، من خطابات “آیة الله الیثربي”)
بمناسبة حلول الخامس من شعبان ،
يبارك موقع الرشد مسلمي العالم و بخصوص أصدقاء الموقع الأعزاء
ذكرى ولادة
زين العابدين و سيد الساجدين
الإمام علي بن الحسین (علیه السلام).
—————————————————————————————————-
الهوامش:
1- تصنیف غرر الحکم، الصفحة 50، الحدیث 330
2- جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فقال: يا رسول الله أوصني فقال: احفظ لسانك، قال: يا رسول الله أوصني قال: احفظ لسانك، قال: يا رسول الله أوصني، قال: احفظ لسانك، ويحك وهل يكب الناس على مناخر هم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟ (الکافي، المجلد 2، الصفحة 115، الحدیث 14)
3. تحف العقول، الصفحة 255