تتشكل أية نهضة من جزئين هما المکافحة و الرسالة. المقصود من المکافحة هو الجهاد و التضحية في طريق مقدس. أما المقصود من الرسالة هو التبليغ برسالة النهضة و بيان أهدافها.
إن أهمية تبليغ الرسالة و بيان أهدافها في إنتصار النهضة ليست أقل من الفداء و التضحية، حيث انه إذا لم تتمّ بيان أهداف و رؤية النهضة علی صعيد المجتمع فلن تكون النهضة محمية من قِبل الناس و سوف تُنسى و لا تخفى التحريفات التي سوف تُتخذ من قِبل الأعداء.
بعد التحقيق في نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) يظهر لنا بکل وضوح ان جزءاً مهماً من هذه الرسالة كان على عاتق الإمام السجاد (عليه السلام) و زينب الكبرى (عليها السلام) حيث اكتمل به مسير التبليغ لشهادة الإمام الحسين (عليه السلام).
نظرا للتبليغات الكاذبة و المزيفة التي بدأت الحكومة الأموية من زمن معاوية ضد أهل البيت (عليهم السلام) (و بخصوص في منطقة الشام)، فبلا شك إن بقاء الإمام الحسين (عليه السلام) حياً لن تتم إفشاء تحركاتهم و إيقاظ الناس من غفلتهم، و سوف يفسد أعداء الإسلام هذه النهضة العظيمة علی مرّ التأريخ و سوف يتقلب هيئته رأساً على عقب.(1) أما التبليغات الواسعة لباقين الأحياء من نهضة سيد الشهداء (عليه السلام) خلال الأسر – و كانت هذه فرصة بفضل حقد و سفاهة يزيد عندما أُسروا – لم يجيز لمثل هذه التحريفات و الخيانة لأعداء الإمام الحسين (عليه السلام).
نذكر مثالاً لذلك، عندما خرج الأسارى لدمشق، وقف رجلٌ عند علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال: “الحمد لله الذي قتلکم و أهلککم و أراح البلاد عن رجالکم و أمکن أمیر المؤمنین منکم!”
بقى علي بن الحسین (علیهما السلام) هادئاً حتى أخرج الرجل الشامي ما كان بقلبه.
فقال له علي بن الحسین (علیها السلام): “یا شیخ هل قرأت القرآن؟” قال: “نعم.” قال: “فهل عرفت هذه الآیة «قُلْ لا أَسْئَلُکمْ عَلَیهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبى»”(2) قال الشیخ: “نعم قد قرأت ذلك”. فقال علي بن الحسین (علیهما السلام) له: “فنحن القربى یا شیخ. فهل قرأت في بني إسرائیل «وَ آتِ ذَا الْقُرْبىحَقَّهُ»(3)؟” فقال الشیخ: “قد قرأت.” فقال علي بن الحسین (علیهما السلام): “فنحن القربى، فهل قرأت هذه الآیة: «إِنَّما یرِیدُ اللَّهُ لِیذْهِبَ عَنْکمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیتِ وَ یطَهِّرَکمْ تَطْهِیراً»(4)؟” قال الشیخ: “قد قرأت ذلك.” فقال علي بن الحسین (علیهما السلام): “فنحن أهل البیت الذین خصصنا الله بآیة الطهارة یا شیخ!”
علم الرجل الشيخ بما سمعه من هؤلاء الأسارى ليس صحيحاً، فهؤلاء ليسوا من الخوارج بل من أبناء النبي (صلّی الله عليه و آله و سلّم). فلذا ندم على ما قاله ثم قال: “اللهم إنا نبرأ إلیك من عدو آل محمد (صلّی الله عليه و آله و سلّم) من جن و إنس”(5)
بالإضافة لذلك ، إن إعتراف عبد الملك بن مروان هو ثمرٌ آخر لدم سيد الشهداء (عليه السلام) و فضح أهل البيت (عليه السلام) لهؤلاء الأعداء. عندما ترأس عبد الملك بن مروان الحکومة نصب حجاج کحاکمه في الحجاز و كتب إلی حجاج: “أما بعد فحسبي دماء بني عبد المطلب فإني رأیت آل أبی سفیان لما ولغوا فیها لم یلبثوا بعدها إلا قلیلا”(6)
كما نعلم كان عبد الملك من الخلفاء السياسيين الأمويين الأذكياء (7) و نعلم أيضاً أنه جاء الى الحكم خمس سنوات بعد فاجعة كربلاء. و هذا الإعتراف خير دليل ننتفع به حيث انه مع كل الضغوط التي ورد آل أبي سفيان على آل أبي طالب و لكنهم لم يفلحوا في تحقيق أهدافهم المشؤومة سوى جلب الفضيحة و اللعن الأبدي لصفحاتهم و إنجازاتهم القبيحة.
أجل! خلاصةً و بالتوجه مع كل تلك التبليغات الملوثة و الضارة على آل النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) ، و لكن يتضح لنا بوضوح أهمية سفر الأسارى من أهل البيت (عليهم السلام) و تحركهم الى الشام، حيث أنهم في سفرهم قضوا على آثار أربعين عاماً للتبليغات المسمومة للأمويين و قد أظهروا الوجه الحقيقي القبيح للحكومة الأموية بوضوحٍ تام و أيقظوا الناس من أفكارهم الضالة و أظهروا لهم الحقائق. لذا يمكننا القول ان عند عودة أهل البيت (عليهم السلام) للمدينة كان لهم حكم قادة الفتح حيث أتموا مأموريتهم بنجاحٍ تام!
(مأخوذ من کتاب “سیرة القادة”، التألیف حجة الإسلام مهدی البیشوایي)
بمناسبة قدوم العشرين من صفر،
يعزي موقع الرشد المسلمين، و بخصوص أصدقاء الموقع الأعزاء،
الأربعین الحسیني
يوم تجديد العهد مع سيد الشهداء (عليه السلام) ، و يوم النجوى مع إمام العاشقين.
الهوامش:
1- كما قام بعضهم بتحريف الوقائع و لتبرئة معاوية من جنايته في شهادة الإمام الحسن (عليه السلام) حيث إتهمه و قال فيه: لقد رحل في أثر ذات الرية و توجّهه للدنيا!
2- سورة الشوری، الآیة 23
3- سورة الاسراء، الآیة 26
4- سورة الاحزاب، الآیة 33
5- مقتل الخوارزمي، المجلد 2، الصفحة 61 – اللهوف، الصفحة 74
6- تاریخ الیعقوبي، المجلد 3، الصفحة 49، (ضمن حوادث زمن حکومة عمر بن عبد العزیز)- إختصاص الشیخ المفید، الصفحة 315
7- الفخری في الآداب السلطانیة و الدول الإسلامیة (ابن الطقطقا)، الصفحة 122