إن كان للإنسان في حياته مسنداً و دعماً في الشدائد و الحوادث، يكون ذلك عاملاً في ثبات الأقدام و حاجزاً عن مخافة الأعداء و المشاكل. إن التوكل هو التسند على العون الإلهي و نصرته. يأمر القرآن الكريم المؤمنين أن يتوكلوا على الله فقط و قد ورد في الروايات الإسلامية إن من توكّلَ على غير الله يصبح ضعيفاً و ذليلاً.
إختار سيد الشهداء (عليه السلام) حركته من المدينة بالتوكل على الله، و عند خروجه من مكة متوجهاً الى الكوفة و لو أنه قصد الکوفة إجابتاً علی دعوات أهالي کوفة و لكنه لم يكن يتوكل على تلك الرسائل التي كانت تأتي اليه من الكوفيين و يدعونه اليهم. تتّضح معنويّة توكل على الله في بدأ مسيرته من المدينة في وصيته لمحمد بن الحنفية و أيضاً في آخر لحظات حياته في مقتله. لقد تجلّى توكل الإمام طوال هذه المسيرة حتی في أشدّ الشدائد و أصعب المشاكل .. علی الرغم من ذلک لقد كان یتمهّد جميع المستلزمات و التمهيدات في النهضة لكي لا يكون توكله منفصلاً عن عمله و الاستفادة من الامكانيات في طريق الهدف، و هذا هو المعنی الصحيح للتوكل.
و من هذه الناحية عندما سمع الإمام الحسين (عليه السلام) في طريقه عدم وفاء أهالی کوفة و خيانتهم و إستشهاد مسلم بن عقيل (سفيره الى الكوفة)، لم يتراجع عن مسيرته لأنّ توکله في اداء التکلیف کان علی الله فحسب. و في طريقه عندما صادف الضحّاك بن عبد الله المشرقي، و أبلغه خبر إستعداد الکوفیین لمحاربته فما كان جواب الإمام إلا أن قال: “حسبي اللّه و نعم الوکیل.”(1)
لم يكن توكل الإمام الحسين (عليه السلام) على أصحابه أيضاً؛ فلهذا قال لأصحابه بأنّ من أحب أن يرجع فليرجع. و بهذا التوكل لا يهزّ عزمه خلل أو حاجز. لقد بيّن الإمام (عليه السلام) هدفه من هذا القيام في وصيته لأخيه محمد الحنفية في بدأ حركته من المدينة. و في ختام هذه الوصية قال: “ما توفیقي الّا بالله، علیه توکلت والیه أنیب.”(2) و في موقفٍ آخر في خطبةٍ ألقاها عند أصحابه و جیش الحرّ، إنتقد عمل الکوفیین و من مکر الذین کتبوا إلیه رسائل و اخيراً قال:”و سیغنيني اللّه عنکم.”(3) و أعلن غنائه من نصرتهم و نظر عین الرجاء لله فحسب.
و في صباح عاشوراء عند بدء إعتداء جيش العدو على خِيَم الإمام (عليه السلام) ، كان الإمام يبيّن في مناجاته مع الله هذا الإتكال و الإعتماد على الله في كل شدة و كربٍ قائلاً: ” اللّهم أنت ثقتي فى کل کرب و أنت رجائي فى کل شدّة و أنت لي في کل أمر نزل بي ثقة و عدّة.” (4) و دعا الله مستندا و مطمئنا للنفس و حامیا له.
و قد أبرز الإمام الحسين (عليه السلام) توکله على الله أيضاً في خطابٍ آخر إلى جيش الكوفة يتلو عليهم آياتٍ تتضمن الولاية و النصرة الإلهية للصالحين قائلاً: “إنّ ولیي الله الذى نـزّل الکـتـاب و هـو یـتـولّى الصالحین” (5) و في خطبة أخرى في يوم عاشوراء نجد شاهداً آخر من هذه المعنوية حيث يقول: “إنّي توکلت على اللّه ربّي و ربّکم.”(6)
لقد كانت هذه الخصلة البارزة ظاهرة في آخر لحظات حياة الإمام (عليه السلام) ایضا:
عندما تجلّى شوق الإمام (عليه السلام) للشهادة ، قام من المعركة مرهقاً و عطشاناً لكي يرتاح قليلاً. فسقط سهماً على صدره الشريف فسال الدم من قلبه الرئوف و الشجعان، حينها إنتهت قوته و سقط على الأرض. كان سيد الشهداء (عليه السلام) في أواخر لحظات حياته و في مناجاةٍ عمیقة مليئاً بعرفان معبوده يهمس من هذا التوكل على ذات الله القادر حيث يقول: “أستعین بك ضعیفاً و أتوکل علیك کافیاً …”(7)
و هکذا توقّف نبض حياة هذا القلب المتوكل و المطمئن، لكي يحوّل قلوب العالم شوقاً و حركتاً بإتجاه المعبود.
(مأخوذ من کتاب “رسائل عاشوراء”، بقلم حجة الإسلام جواد المحدثي)
يعزي موقع الرشد جميع أحرار العالم و بخصوص أصدقاء الموقع الأعزاء
بمناسبة ذكرى قدوم العاشوراء الحسيني ،
ذكرى إستشهاد قدوة المتوكلين و أبي الأحرار،
سید الشهداء، الإمام الحسین بن علي (علیه السلام)
و أصحابه الأوفياء.
الهوامش:
1- موسوعة کلمات الامام الحسین، الصفحة 378
2- بحار الأنوار، المجلد 44، الصفحة 330
3- موسوعة کلمات الامام الحسین، الصفحة 361
4- الارشاد لشیخ المفید، المجلد 2، الصفحة 96
5- سورة الأعراف، الآیة 196
6- بحار الأنوار، المجلد 45، الصفحة 9
7- اقبال الأعمال، الصفحة 690