« البكاء، عمق المحبة»

” لما أخبر النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين و ما يجري عليه من المحن بكت فاطمة بكاء شديدا و قالت يا أبة متى يكون ذلك قال في زمان خال مني و منك و من علي فاشتد بكاؤها و قالت يا أبة فمن يبكي عليه و من يلتزم بإقامة العزاء له فقال النبي يا فاطمة أن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي و رجالهم يبكون على رجال أهل بيتي و يجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة”(1)

إن البكاء و الضحك خصوصيتان من خصائص الإنسان، و إنهما خصوصيتان ظاهريتان تبرز في الوجه و لهما أثر خارجي. و إنهما علامتان لعمل الإنسان أمام الحقائق و الوقائع و الحوادث. إذا لم يتم التحقيق في هذين الأمرين الظاهريين متصلاً بمنشأهما الباطني فيقيناً لا يمكن مقاضاتهما مقاضاةً صحيحاً. إن الفرد الذي يخلو من هذين الأمرين يصبح غريباً في أعين الناس و يشتمه.

إذا وقع عامل في قلب الإنسان و اتصل بذاته، بمعنى انه رضي به و تبيّن له أنه مطابق لتطلباته فقد يفرح به و علامة هذا الفرح قد يبرز بصورة الابتسام على الوجه، و في المقابل إذا تواجد في قلب الإنسان تأثر و قلق و حزن و عدم القبول لأمرٍ ما فذلك يعكس على صورة البث و الغم و في أعلى مراتبه ليبرز بالبكاء و تساقط الدموع.

كلما ازداد معرفة الإنسان و أسلم فيكون باطنه أرقى و ظاهره أحسن. و كذلك أيضاً البكاء و الضحك، فكلما أجدر أصلهما و هي المعرفة، فيكثر قدره. ففي القرآن الكريم يعّرف البكاء أنه من خصائص الأنسان و قد يذكر حالات الإنسان المختلفة التي يتواجد بعوامل مختلفة و يسبب البكاء. و يقبل بعضها و يرفض الآخر. و للمثال يقول الله تعالى في سورة المائدة:

        ” و اذا سمعوا ماانزل الی الرٌسول تری اعینهم تفیض من الدمع ممٌا عرفوا من الحقٌ یقولون ربٌنا آمنٌا فاکتبنا مع الشٌاهدین “(2)

تبين هذه الآية الشريفة إن الدمعة هي علامة معرفة الحق. و معناه انه عندما يتوجه أي شخص الى حقيقة ما، فيتواجد في جوفه شوقاً شديداً، و ينعكس هذا الشوق بدمعة على وجه المرء علامة خارجية له. و من جانب آخر، جاء في روايات المعصومين شواهد و تأييدات كثيرة  يشير إلى أن البكاء عامل مثبت و مسبب للتكامل.

إننا بشر و إن للبشر قلب، و القلب أعظم متاعه. فإن تعلّق القلب إلى شيء يعيّن طريقة حياة الإنسان. إن للحب مظهر خارجي و إنها ليست فقط لفظ كلمات. إذا توجّه القلب الى أمرٍ ما، فإن جميع أعضاء البدن سيتحرك في طريقه. إذا لم يُستخدم العقل و القوى الفكري في هذا الهوى، فإن الغرائز و الإحساسات الباطلة ستؤدي الى إيجاد حب باطل و عشق غير حقيقي، و إنما هذا طريق وعر و خطير للغاية. و لكن عندما يعشق القلب مع مقدمات صحيحة و منطقية كحب شخصية كالإمام الحسين (عليه السلام)، فإنه كلما يتذكر الإمام فكأنه يقع عليه كل مصائبه و الظلم التي كان يواجهه و ليست له ألا يحزن بها.

مصيبة المحبوب مصيبت المحب و فرحة المحبوب فرحته..إذا كان شخص يحب الله، فأصبح محبوب الله  تعالى محبوبه. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم):

 ” أحبّ الله من أحبّ حسینا (علیه السلام). “(3)

بما ان الحسين محبوب الله، فإن محب الحسين يصبح محبوب الله أيضاً. و إن حب الحسين (عليه السلام) يلزمنا أن نشاركه في أفراحه و أحزانه.

 يمكن رؤية تمام مظاهر البكاء الصحيح في حياة الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) و عاشورائه. و لهذا قال الإمام الرضا (عليه السلام) لابن شبيب:

“يا ابن شبيب ! إن كنت باكيا لشيئي فابك للحسين بن علي بن ابيطالب . . . “(4)

« مأخوذ من کتاب ” كيمياء البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)” ،  تأليف الدکتور محمد الأسدي (مع بعض التصرف).»

يعزي موقع رشد المسلمين و أحرار العالم، وبخصوص أنتم أصدقائنا الأعزاء،

 بقدوم أربعين شهادة مشعل الهداية

 ومحيي الدين والرسالة المحمدية

الامام الحسين (عليه السلام) وأصحابه الأبرار.

……………………………………………..

الهوامش:

1) بحار الأنوار المجلد 44، الصفحة 292، 293

2) سورة المائدة، الآية 83 

3) مدرك أهل السنة : الصحیح الترمذي، المجلد 2، الصفحة 307

   مدرك الشیعة : کنز العمال، المجلد 6، الصفحة 221

4) الأمالي للصدوق، الصفحة 129