« نافذتان و رحلة واحدة »

خيمة قائمة، و سنانٌ مدفونة، و سيوفٌ متعلّقة، و فرسٌ مربوطة، مشهدٌ عجيب قد ترائ من بعيد. و بعد فترة خرج قاصدٌ من القافلة ليُرسل رسالة الإمام الى صاحب الخيمة. ذهب القاصد و من ثم عاد،  أما عبيد الله بن الحر الحنفي الذي كان يرى تعلّق جميع الناس الى الدنيا، لم يقبل دعوة الإمام للملاقاة و قال أنه لم يخرج من الكوفة إلا خوفاً من أن الحسين يصل الكوفة و يطلب النصرة منه.

أمّا الحسين فهو سفينة النجاة و طريق السعادة. هذه المرة اتجه الإمام بنفسه مع بعض أصحابه نحو خيمة عبيد الله. حينما رأى عبيد الله الإمام عند الخيمة خجل منه، و قام من مكانه و عرض احترامه الشديد للإمام و أخبره بشرح ما وقع  الكوفة. استمع الإمام لحديثه كاملاً و من ثم بدأ بالحديث، طرح حول مسألة دعوة الناس و توجّه بالحديث لعبيد الله وطلب منه أن ينصره، ليتقبل الله له التوبة و يكون اشفاعة أهل البيت من نصيبه.

وضع طرح الإمام عبيد الله بين سبيلين. لم يترك الدنيا قلب عبيد الله، و كان عقله يجلب له الأعذار دائماً.

تأمّل عبيد الله و التفت الى الإمام قائلاً: « ليس لك من ناصر ٍ و نصير في الكوفة و فزع الكل الى ديارهم من الخوف. أقسمك بالله ألا تطلب مني النصرة، و لكن هذا فرسي خذه إليك فو الله ما ركبته قط و أنا أروم شيئا إلا بلغته و لا أرادني أحد إلا نجوت عليه فدونك فخذه. »

و لعله كان يريد بهذا أن يريح قلبه و وجدانه. عندما استمع الإمام حديث عبيد الله و يمينه قال:

لا حاجة لنا فيك و لا في فرسك، لقد جأت لطلب النصرة منك. و ما كنت متخذ المضلين عضدا و لكن فر فلا لنا و لا علينا فإنه من سمع واعيتنا أهل البيت ثم لم يجبنا كبه الله على وجهه في نار جهنم.»

استمع عبيد الله الى آخر حديث للإمام و رجع ببطء و استحياء الى مستقر داره لكي يبتعد عن الفتنة.

و الآخر كان عثماني المذهب و لم يكن له محبة خاصة لأهل البيت. في طول الطريق من مكة الى الكوفة كان سعيه ألا يصادف الإمام في أي منزل و أن يبتعد عن دربه. أما الإبتلاء سنة لا يتخلّف عنه الخلقة، و لهذا لا مفر منه و لا حيلة من دونه لزهير.

و من دونة إرادة صادفت هتين القافلتين في منزلٍ و خيّمتا قريبتين للآخر، و في هذه الأثناء ورد رسول الحسين (عليه السلام) بزهير و هو جالس مع أهله و أصحابه على المائدة. ثم قال:« يا زهير بن القين إن أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) بعثني اليك لتأتيه.»

امتنع الجميع عن الطعام و تحيّر زهير أكثر من البقية و كان حزيناً عما وقع. وقع السكوت في الخيمة و كان الجميع ينتظر جواب زهير. عندما طال تأمل زهير، صرخ عليه زوجته من وراء الستار : « لم ترد دعوة ابن رسول الله؟ ما الذي سيحصل لو ذهبت عنده واستمعت لحديثه؟» و من ثم قام زهير بذلك. ذهب و استمع لحديث الإمام و لم يمر وقت طويل إلا و رجع، و لكنه لم يكن في حالة التحيّر عند ذهابه بل كان مسروراً سعيداً. كان وجهه برّاقاً إذ لمس بريق الحسين في أعماق وجود زهير، و صار فضة و جوده ذهباً بالحسين.

أصدر أمراً ليُخيّموا خيمته عند خيمة الحسين. و قال لمرافقيه أنه عازم لنصرة الحسين، فمن يريد فليلحقه و إلا سوف تكون هذه آخر اللقاء. و أرسل زوجته مع مقدار ٍ من المال و الطعام عند أهلها.

و عند الوداع بكت زوجته و طلبت من زهير ألا تنساه يوم القيامة. و ذهب زهير بقلبٍ آمن و عافٍ لنصرة الحق في المعركة. قالوا أن زهيراً كان من بين هؤلاء الذين وقفوا أمام الإمام ليأدي الإمام و البقية الصلاة. فقد أصبح زهير مدرع وحود الإمام، كان صدره و وجهه مدرعاً يحمي الإمام من السهام القاتلة.

عاشر محرم الحرام، نعزي أحرار العالم الذكرى السنوية لشهادة كبير حامي دين الله المجيد، الإمام سيد الشهداء الحسين بن علي (عليه السلام) و أصحابه الأبرار، الذين فدوا بنفوسهم لإمامهم سيد الأحرار في ساحة كربلاء.