« وراء العدوان »

اختصت الرسالة الإسلامیة ـ الخاتمة ـ بخصائص و میزات عدة، منها اختصت بشخصیة هذه المرأة المتمیزة الفریدة، فاطمة الزهراء (علیها السلام) الذي خصص القرآن الکریم لها سورة الکوثر.

أراد الله عز وجل للنبي (صلی الله علیه و آله و سلم) الاستمرار فی وجوده الإنساني و الرسالي من خلال ذریته، و لم ینقطع في حرکته الرسالیة عن ذریته کما کتب ذلك لنوح أو عیسی أو موسی (علیهم السلام)، و قدر تعالی أن تکون هذه الذریة متمثلة في امرأة، هي: فاطمة الزهراء (علیها السلام)(1) و کان یمکن أن یکون الاستمرار لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) في ذریته من خلال أولاد ذکور کما حصل لإبراهیم الخلیل (علیه السلام).

إذن للزهراء فضل و قدسیة عند الله تعالی، ولها علاقة خاصة به تعالی، وتمجید وثناء منه، فهي لیست کأي امرأة أُخری. و هذا من الموضوعات التي یمکن إثباتها علی مستوی النصوص التاریخیة إثباتاً یوجب القطع و الیقین أو الإطمئنان، حسب طبیعة الشخص الذي یتعامل مع هذه النصوص. حیث یرویها علماء العامة بأسالیب مختلفة.(2) و تجمع هذه النصوص بصورة عامة علی نقطة مرکزیة، و هي: قدسیة الزهراء (علیها السلام).

إن أي عدوان على هذه المرأة بلا شك سوف ينتج من خلال هذا العدوان أمور أشد مما نتصوره:

إن العدوان علی الزهراء (علیها السلام) یشکل عدوانا علی أهم مقدّس لدی جمیع المسلمین، وهو: القرآن الکریم، حیث وردت فیه نصوص عدیدة یجمع المسلمون علی أنها نزلت في اهل البیت (علیهم السلام)، هي “آیة التطهیر”(3)، ” آیة المودة”(4) و ” آیة المباهلة”(5)

نعم، قد یختلف المسلمون في دائرة اهل البیت (علیهم السلام) من حیث عددهم و من تشملهم الآیة، لکن القدر المتیقن لدی جمیع المسلمین أن الزهراء أحد مصادیق أهل البیت (علیهم السلام) في هذه الآیة الکریمة [آیة التطهیر]، حیث لا یختلف أحد من المسلمین في انطباق هذه الآیة علی الزهراء (علیها السلام)، وهي مصداق لها. لذا فأن العدوان علی الزهراء (علیها السلام) عدوان علی القرآن الکریم.

من جهة أخرى، لقد کان العدوان علی الزهراء عدوان علی النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ـ و هو أقدس من عرفته البشریة في تأریخها ـ و بتعبیر آخر: إن ظلامة الزهرا (علیها السلام) کانت ظلامة لکل المقدسات الإسلامیة، و أبرزها و أوضحها رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، و هو المثال الکامل في وجود الإنسان؛ لان رضا فاطمة رضا رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) و غضب فاطمة (سلام الله علیها)، غضبه و یؤذیه (صلی الله علیه و آله و سلم) ما آذا فاطمة (علیها السلام).(7) إذن، فالعدوان علیها عدوان علی رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم).

و ایضاً فإن هذا العدوان هو عدوان مع شخصية مؤمنة. لقد ورد في کثیر من الروایات أن للمؤمن حرمة و کرامة عند الله سبحانه و تعالی أفضل حرمة و کرامة من الکعبة الشریفة، التی لها کرامة في نظر المسلمین بدرجة عالیة.(8) و في بعض الروایات انه لو مست هذه الکرامة لاهتزّ لها عرش الله سبحانه  و تعالی؛ فإذا کان للمؤمن العادي هذه الکرامة، فکیف إذا کان هذا المؤمن هو الزهراء (علیها السلام) و إن حرمتها و کرامتها خاصة، باعتبار انتسابها إلی رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، و باعتبار شخصیتها و مواصفاتها و علّو مقامها و سموها و یکفی في هذا الأمر آیة التطهیر. فعندما ینزل الظلم بمثل هذه الذوات الطاهرة التي یعرفها المسلمون بهذه الطهارة، و هذا العدوان لم یکن عادیا، و إنما کان یمثل أعلی درجات العدوان علی کرامة الإنسان.

و من جهة أخرى إن أي عدوان على هذه المرأة هو عدوان على مكانة المرأة. ثمة مقدس في الإسلام له حرمة کبیرة، وهو: المرأة. وإذا نظرنا إلی الموضوع من الناحیة العرفیة، نری أن المرأة تعتبر إحدی المحرمات في المجتمع الإنساني. وکذلک في نظر الإسلام.

ولذا أشد ما یقع علی الإنسان من العدوان أن یری زوجته یعتدی علیها أمام عینیه. ومن ثم فإن جر علی عیالات الإمام الحسین (علیه السلام) بعد مقتله کان یوازي ما جری علیه (علیه السلام)، ولم یکن ذلک قتلاً او ذبحاً او رمیاً بسهم أو ضرباً بسیف أو حجارة، وإنما الذي جری علیهم هو هتک حرماتهم من سبي ونهب، و ما اشبه ذلک مما تعرضوا له بصورة عامة…

حينما نبحث أكثر في زوايا حياة فاطمة (عليها السلام)، نرى أنها المثال الكاملة للمرأة و المثال البارزة للقدسیة في المجتمع الإسلامي. فلذا إن العدوان و الكراهية لهذه المرأة التي هي في قمة قداسة المرأة هو عدوان لمكانة المرأة.

و لکن أما كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) بمکانتها الرفيعة من بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) تُعامل بقسوة)؟ و فی الحقیقة أين قبرها؟ و ما الذي حدث للسبط الثالث لرسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) الذي سمّاه محسناً و قد اعتبره علماء المسلمین من ابناء فاطمة (عليها السلام)؟ لماذا قلّ الحديث حول هذه الحقائق؟ تكمن في صفحات التأريخ أحاديث عديدة أخرى لكی تروي لنا…

«مأخوذ من کتاب “الزهراء (علیها السلام)”، تأليف آیة الله السید محمد باقر الحکیم، مع القلیل من التلخيص و الإضافة»

3 جمادي الثاني، يعزي موقع الرشد مسلمي العالم

بمناسبة شهادة سيدة النساء، أم أبيها، الصديقة الطاهرة،

فاطمة الزهراء (سلام الله علیها).

………………..

الهوامش:

1ـ کان المجتمع الإنساني في عصر الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) یری إن المرأة کائن سَیِّی، و موجود غیر صالح، لا یحقق الاستمرار و البقاء للإنسان علی حَدّ ما یذکره القرآن الکریم في قوله: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (سورة النحل، الآیة 58)

2ـ صحیح ابن حبان المجلد 15، صفحه 408 – الأمالي الحافظ الاصبهاني الصفحة 45 – المعجم الکبیر المجلد 20، الصفحة 20 – خصائص أمیر المؤمنین الصفحة 121 – السنن الکبری المجلد 5، الصفحة 97، الحدیث 8370 – الجامع الصغیر المجلد 2، الصفحة 208 – کنز العمال المجلد 12، الصفحة 107– تثبیت الامامة الصفحة 28 – الذریة الطاهرة النبویة الصفحة 48 – نظم درر السمطین الصفحة 176  و أحادیث و کتب أخرى كثيرة.

3ـ “… انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا” (سورة احزاب، الآیه 33)

4ـ ” … قل لا اسالكم عليه اجرا الا الموده في القربی …” (سورة شوری، الآیه 23)

5ـ ” فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنه الله علي الكاذبين”(سورة آل عمران، الآیه 61) الزهراء _عليها السلام) مصداق كلمة نسائنا في هذه الآية. شواهد التنزیل المجلد 1، الصفحة 160 – جامع البیان الطبري المجلد 3 ، الصفحة 404 – ینابیع المودة المجلد 1، الصفحة 136

6ـ مستدرك الحاکم المجلد 3، الصفحة 158 – الدر المنثور، المجلد 5، الصفحة 199

7ـ صحیح البخاري المجلد 4، الصفحة 210 (طبعة دار الفکر بیروت) – فتح الباري في شرح صحیح البخاري المجلد 7، الصفحة 84 – مستدرك الحاکم المجلد 3، الصفحة 154 – الامامة و السیاسة المجلد 1، الصفحة 31– مجمع الزوائد المجلد 9، الصفحة 203 – الشافي المجلد 4، الصفحة 214 – شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید المجلد 16، الصفحة 281.

8ـ الخصال الصفحة 27، الحدیث 95