“خطاب النبيّ التاريخي في حجة الوداع”

  1. خانه
  2. »
  3. الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله و سلم)
  4. »
  5. “خطاب النبيّ التاريخي في حجة الوداع”

أمر رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) في الشهر الحادي من العام العاشر للهجرة (أي شهر ذي القعدة) بأن ينادى في المدنية وبين القبائل بأن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يقصد مكة للحج هذا العام، و هذه آخر رحلة الحج في عمره الشريف. بسبب أهمية الحج بنفسها و تقارن هذه الرحلة (التي تُسمى بحجة الوداع) بأخر شهور عمره المبارك، هذا من الطبيعي أن تكون إنجاز هذه الرحلة و ما أعلن الرسول فيها من المطالب ذا أهمية بالغة.

 فاحدث هذا الاعلان شوقا وابتهاجا عظيمين في نفوس جمع كبير من المسلمين ، فتهيّأ عدد هائل منهم لمرافقة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم). بعد إكمال مناسك العمرة المفردة دخل رسول الله (صلّی الله عليه و آله و سلّم) عرفات في يوم التاسع من ذي الحجة. في ذلك اليوم الذي كانت عرفات تشهد فيه اجتماعا عظيما وحشدا بشريا هائلا ، لم يشهد مثله شعب الحجاز من قبل حتى ذلك اليوم ، كان نداء التوحيد وشعار الاسلام يدوّي في ربوع تلك المنطقة التي كانت فيما مضى من الزمان موطن المشركين ومسكن الوثنيين ولكنها قد تحولت الآن إلى قاعدة الموحّدين ، وملتقى عباد الله المؤمنين. في هذه المنطقة بالذات (أي أرض عرفات) نزل رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) و صلّى الظهر والعصر وهو يؤم مائة الف، ثم خطب فيهم خطابه التاريخيّ وهو راكب على راحلته ، وكان أحد اصحابه ـ وكان رفيع الصوت قويه ـ يكرر كلماته (صلی الله علیه و آله و سلم) ليسمعه آخر من في ذلك الحشد.

لقد بدأ رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ذلك الخطاب هكذا :

” أيّها الناس اسمعوا قولي واعقلوه فاني لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا. أيّها الناس إنّ دماءكم واموالكم(1) عليكم حرام إلى أن تلقوا ربّكم “.

وتأكيدا لحرمة أموال المسلمين ودمائهم قال (صلی الله علیه و آله و سلم)  لربيعة بن أميّة: “قل يا أيّها الناس إن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يقول : هلاّ تدرون أيّ شهر هذا؟” فاجابوا: “الشهر الحرام الذي يحرم فيه القتال و اراقة الدماء.” فقال النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لربيعة: “قل لهم: إن الله قد حرّم عليكم دماءكم و أموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة شهركم هذا.”

ثم قال (صلی الله علیه و آله و سلم) لربيعة: “قل : يا أيّها الناس إن رسول الله يقول هل تدرون أيّ بلد هذا؟” فاجابوا جميعا: “البلد الحرام ، الذي يحرم فيه القتال والعدوان.” فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لربيعة: “قل لهم: إن الله قد حرّم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربّكم كحرمة بلدكم هذا.”

ثم قال (صلی الله علیه و آله و سلم) لربيعة: “قل لهم : هل تدرون أي يوم هذا؟” فأجابوا بأجمعهم: “يوم الحج الاكبر.” فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لربيعة: “قل لهم : “إنّ الله قد حرّم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربّكم كحرمة يومكم هذا …

إنّكم ستلقون ربّكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلّغت فمن كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها.

أيّها الناس إنّ كل ربا موضوع ولكن لكم رءوس أموالكم لا تظلمون و لا تظلمون …

أيها الناس إن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا ، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به ممّا تحقرون من أعمالكم ( أو رضي منكم بمحقّرات الأعمال ) ، فاحذروه على دينكم …

أيّها الناس إن لكم على نسائكم حقا ولهنّ عليكم حقا. لكم عليهم أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه (أي لا تضيّفن في بيوتكم من تكرهونه ). وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبيّنة … و استوصوا بالنساء خيرا فإنّهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهنّ شيئا ، وإنكم انما أخذتموهنّ بأمانة الله واستحللتم فروجهنّ بكلمات الله.

 فاعقلوا أيها الناس قولي فاني قد بلّغت و قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلّوا أبدا أمرا بيّنا كتاب الله و سنة نبيّه.(1)

أيها الناس اسمعوا قولي و اعقلوه تعلّمنّ أنّ كل مسلم أخ للمسلم و إنّ المسلمين إخوة فلا يحلّ لامرئ من أخيه إلاّ ما أعطاه عن طيب نفس منه فلا تظلمنّ أنفسكم.

ألا فليبلّغ شاهدكم غائبكم لا نبيّ بعدي ولا أمّة بعدكم.

 ألا كل شيء من أمر الجاهليّة تحت قدمي موضوع.”(2)

و هنا قطع النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) خطابه ، و رفع سبّابته نحو السماء (كعلامة على الشهادة) وهو ينكتها الى الناس و قال: « اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد».

ذكّر الرسول المسلمين بأمور هامّة و مصيريّة طوال هذه الرحلة و خلال خُطب مختلفة و هذا ما قد أضيف إلی تعليم مناسک الحج. علی هذا الصدد بعد إکمال مناسک الحج و في طريق مراجعة من مکة، وقف رسول الله في يوم الثامن عشر من ذي الحجة في منطقة غدير خم و ألقی خطاباً و أعلن علي بن أبي طالب کوصية بأمر الله سبحانه و تعالی و حکمه.

لهذا خلال تعليم مناسک الحج، بيّن الرسول (صلّی الله عليه و آله و سلّم) للمسلمين أهمّ و أعلی تعاليم الأعتقادي و الأخلاقي و الإجتماعي و ورّث نسخة الدين الکاملة لهم. في نهاية المطاف طار روح القدسي و العظيم ذلک سفير الإلهی إلی مآمن الخالد في منتصف اليوم الثامن و العشرين من صفر المظفر سنة إحدی عشر بعد الهجرة.

 (مأخوذ من کتاب “سید المرسلین”، لآیة الله جعفر السبحانی (مع بعض التغییر و الاضافات))

 بمناسبة حلول 28 من شهر صفر،

يعزي موقع الرشد مسلمي العالم و بالأخص أصدقاء الموقع الأعزاء،

ذكرى رحيل النبي الرحمة و الناصح للأمة

خاتم النبیین و سید المرسلین،

محمّد بن عبدالله (صلی الله علیه و آله و سلم).

الهوامش:

1- تحف العقول، الصفحه 30

2- قد نقل هذه الخطبه فی کتاب تحف العقول، الصفحه 30 و بحار الانوار، المجلد 21، الصفحه 405.