یُعرف النبي (صلّی الله عليه و آله و سلّم) عند المسلمین کمبیّنٍ لکتاب الله و عمله و کلامه و حیاته الشریفة یُبیّن آیات القرآن. و الآن نحن في الذکری السنوية لإحدی الأحداث الألیمة في تأریخ البشر. في مثل هذه الأیام، أستلقی النبي (صلّی الله عليه و آله و سلّم) في فراش الإحتضار و أنتقل إلی الرفیق الأعلی. ولکن هل واری حکمته الإلهية مع جسمانه الطاهر في المسجد النبوي؟ من یهتمّ بمُهمّته في تبیین آیات الله و رفع الخلافات العدیدة و العمیقة في الأمّة الإسلامیة؟ هل نسي رسول الله (صلّی الله عليه و آله و سلّم) أمّته و وکّـلهم إلی أنفسهم؟
کما نعلم، أنّ مبادئ الإسلام و أحکامه في القرآن و تفسیرها و تبیینها في صلاحية و علی عاتق النبي (صلّی الله عليه و آله و سلّم) و علی عاتق الأخرین من مبلّغي الإسلام الأصلییّن. و أملی النبي (صلّی الله عليه و آله و سلّم) علی إبن عمّه علي (عليه السلام) کلّ ما یوحی علیه و یحتاج البشر إليه حتی یوم القیامة و قام علي (علیه السلام) بتدوینها و أورث أئمّةً بعده کلّ هذه المعارف و العلوم.
ینقسم ما أوحی الله (سبحانه و تعالی) إلی نبیّه (صلّی الله عليه و آله و سلّم) من وجه نوع إشعاره إلی قسمین :
القسم الأوّل یشمُل کلّ ما حان موعد إشعاره و کان الظروف ملائمة لبیانه و ذلک تمّ بیانه مباشرةً من عند رسول الله (صلّی الله عليه و آله و سلّم).
ولکنّ القسم الثاني، و ذلک یشمُل کلّ ما یؤجّل موعد أدائه إلی بعد عهد النبي (صلّی الله عليه و آله و سلّم) و علّمه علیّاً (علیه السلام) فحسب. و کان علي (علیه السلام) یکتب بخطّه کلّ تعالیم النبي (صلّی الله عليه و آله و سلّم) ممّا کان النبي (صلّی الله عليه و آله و سلّم) یقول للناس عموماً و ممّا یعلّمه علی وجه الخصوص.
و کان یستمرّ هذا الأسلوب حتی وفاة النبي (صلّی الله عليه و آله و سلّم). في هذه الساعات الأخیرة من حیاة النبي الشریفة، تلقّی علي (علیه السلام) آخر تعالیم الإلهیة من النبي (صلّی الله عليه و آله و سلّم) في جلسةٍ هامّةٍ خاصّة جدّاً.
روت أمّ سلمة هذه الجلسة هکذا : “والذي أحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهدا برسول الله (صلّی الله عليه و آله و سلّم)، عدنا رسول الله (صلّی الله عليه و آله و سلّم) غداة و هو يقول : “جاء علي ؟ جاء علي ؟” مرارا ، فقالت فاطمة (عليها السلام): “كأنك بعثته في حاجة”. قالت : “فجاء بعد”. قالت أبي سلمة: “فظننت أن له إليه حاجة، فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب، وكنت من أدناهم إلى الباب، فأكب عليه رسول الله (صلّی الله عليه و آله و سلّم) وجعل يساره ويناجيه، ثم قبض رسول الله (صلّی الله عليه و آله و سلّم) من يومه ذلك ، فكان علي أقرب الناس عهدا.” (1)
و الآن نقرأ قول أمیرالمؤمنین (علیه السلام) نفسه في هذا الشأن:
“قال رسول الله (صلّی الله عليه و آله و سلّم) في مرضه: “أدعوا لي أخي” فقال: “أدن مني”. فدنوت منه فاستند إليّ فلم يزل مستندا و إنه ليكلّمني حتى إن بعض ريق النبي (صلّی الله عليه و آله و سلّم)، ليصيبني ثم نزل برسول الله (صلّی الله عليه و آله و سلّم) وثقل في حجري.”
نظراً إلی ما ذُکر، أملی النبي (صلّی الله عليه و آله و سلّم) علی علي (علیه السلام) کلّ العلوم الإسلامية و أودعها عنده في کتابٍ مدوّن لکي یورّثه أئمّةً من نسله کوثیقةٍ مکتوبةٍ من الإسلام.
إنشغالات بال النبي (صلّی الله عليه و آله و سلّم) في الأوان الأخیرة من حیاته الدنیوية، تحکي عن إهتمامه بحفظ الدین و الأمّة بعده و إیداع ذخائر العلوم الإلهية إلی الأئمّة الحقیقیة للإسلام و مفسّري الحقیقییّن للقرآن. کذلک یبدأ عهد التاریخي لنشر العلوم الإسلامية من عهد حیاة النبي (صلّی الله عليه و آله و سلّم) و ورثها الأئمّة الطاهرین هذه الذخائر الثمینة.
(مقتبس من کتاب “قيام الأئمة بإحياء الدين”، بقلم العلامة سید مرتضی العسکري؛ مع تصرف)
نغزي المسلمین 28 صفر
ذکری رحیل نبي الرحمة و رسول الخاتم
محمّد بن عبدالله (صلّی الله عليه و آله و سلّم)
و إستشهاد سبطه الکریم
حسن بن علي (علیهما السلام).
… … … … …. … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … …
الهوامش :
1- روي هذا الخبر في کتاب المستدرک علی الصحیحین، المجلد 3، الصفحة 14، في شأن أمیرالمؤمنین (علیه لاسلام) بشتّی الوثائق و اعتبره الذهبي صحیحاً في تلخیص هذا الکتاب و ورد أیضاً في مصنق إبن أبي الشیبة، المجلد 6، الصفحة 348؛ مجمع الزوائد، المجلد 9، الصفحة 112؛ کنز العمّال، الطبعة الثانیة، المجلد 15، الصفحة 128 و …
2- طبقات إبن سعد، المجلد 2، الصفحة 263.