« سرعة المحبة . . . »

إن مسألة سرعة انتشار الإسلام هي من المسائل التاريخية الهامة في العالم  و هناك كلام وفير حول عللها. إن الإسلام من جهة خروجها من حدود المكان الذي بدأ فيه و توسّع في آفاق متعددة، مشابهة للمسيحية، لأن الإسلام بدأ من جزيرة العرب  و إننا نرى اليوم ان جذوره قد امتد الى بلدان آسيا، أوروبا، أمريكا، و بين الشعوب المختلفة. و لكن كان في انتشار الإسلام خصوصية خاصة و هي سرعة توسّعه. انتشر الإسلام بسرعة كبيرة في جزيرة العرب و خارجها و في آسيا، و في أفريقيا و في مناطق أخرى . . . 

يقول لامارتين – الشاعر الفرنسي الكبير- : اذا التفتنا الى ثلاثة أمور، فلا أحد يمكنه أن يصل الى ما وصل عليه رسول الإسلام (صلى الله عليه و آله و سلم): الأول فقدان الوسائل المادية، الثاني سرعة توسّعه أو ما هو أيضاً عامل الزمان، و ثالثاً عظمة الهدف. يظهر رجلاً و يدعو الناس في حال ليس لديه أية قوى عسكرية و كان أقرب الناس اليه و أهله يكنّ له العداء. فيظهر وحيداً بلا ناصر أو معين. فيبدأ الدعوة بنفسه و يؤمن فيه أناس آخرون تدريجياً  و يلتحقون إلى ركبه بمشقة و عناء كبير. إذا التفتنا إلى أهمية الهدف مع فقدان الوسائل المادية و سرعة الوصول للهدف، فحسب ما قاله لامارتين فلا مثيل للنبي (صلى الله عليه و آله و سلم).

و لكن ما هو سر هذا النفوذ و سرعة انتشاره؟ الحقيقة هي ان من بين كل العوامل، فإن العامل الأول لنفوذ الإسلام وانتشاره في كل مكان هو القرآن و ما يتضمن به. و إذا التفتنا بعيداً عن القرآن، فنرى ان شخصية الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) و حسن خلقه، وسيرته و نوع قيادته و إدارته للمجتمع هو العامل الثاني لنفوذ الإسلام و انتشاره. و حتى بعد وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) فإن تاريخ حياة النبي و سيرته كان عاملاً كبيراً في سرعة انتشار الاسلام.

فإذاً كيف كان النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم)؟ كان الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) في سلوكه الشخصية فرداً رؤوفاً و كان في منتهى الحلم، و في تحمل المعاهدات و المسؤوليات الاجتماعية فقد كان في منتهى درجة الصلابة. فكمثال:

الزمان هو الزمان الذي كان رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) قائداً للجامعة الإسلامية في المدينة. عندما أراد رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) حضور صلاة الجماعة يأتيه رجل في الزقاق و يقف أمام الرسول و يسد طريقه و يدّعي أن الرسول يدين له و يطلب أن يستجيب لطلبه حالاً. يقول له الرسول: أولاً أنا لا أدين لك و إنك تطالبني بالباطل، و ثانياً ليس معي الآن مالاً لأعطيك فاذن لي أن أذهب. و لكن الرجل لم يدع رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) أن يمر منه. كلما يحاول النبي أن يلين معه و لكن كان الرجل يغلظ في معاملته و ينازع النبي و يأخذ بردائه و يلفّه حول عنقه و يشدّ عليه الى ان احمرّ عنق رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم). فيقدم المسلمون النبي بسبب تأخيره ويرون يهودياً قد ادعى عليه كذلك. يريدون أن يغلظوا معه و لكن الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) ينهاهم عن ذلك، و يقول أنا أعلم كيف أتعامل مع صاحبي. فيواجهه بالرأفة الى أن قال اليهودي:  ” أشهد أن لا اله الا الله و أشهد أنك رسول الله ” و قال له ما تلك القدرة التي استطعت أن تتحملني بها؟! إن هذا الصبر ليس صبر أي فرد عادي، و لكنه صبر الأنبياء . . .

و من جهة أخرى فقد سرقت امرأة من أشراف قريش (1). و عندما ثبتت القضية و أقرّت المرأة بالسرقة، فكان يجب أن يجرى حكم الله عليها. و من هنا بدأت الشفاعات و الوصايا. فقال أحدهم: يا رسول الله! اذا استطعت فانصرف عن مجازاتها فهي بنت فلان و تعلم شرفه و مكانته، فبمجازاتها يكتسب أهلها السمعة السيئة. جاء والدها، و أخوها و . . . و مع كل الكلام الذي قالوه، أجابهم الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم): من المستحيل، أتأمرونني أن أعطل حكم الله؟ إذا لم تكن بنت بيت ذو جاه لقلتم جميعاً أنها سارقة و يجب أن تجازي. فلم يقبل شفاعتهم أو توسطهم.

فيبين لنا هذا أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) ما تسامح في المسائل الأصولية و لم يتساهل فيها، في حين أنه كان في غاية الرأفة في المسائل الشخصية و كان يعفو بسهولة. إن هذه الرأفة كانت من أهم العوامل في انتشار الإسلام بسرعة . . .

( مأخوذ من كتاب: “السيرة النبوي” ، تأليف الشهيد مرتضى المطهري (ره) )

17 ربيع الأول، يبارك و يهنئ موقع الرشد المسلمين

 و بخصوص أصدقاء الموقع الأعزاء

 بالذكرى السنوية لميلاد صاحب الخُـلق العظيم و رحمة للعالمين

الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم)

و نجله الإمام البر

الإمام الصادق (عليه السلام) .

…………………………………………..

الهامش :

1- كان قريش من أعظم قبائل مكة و أكبرها، و كان لهم منزلة رفيعة عند الناس في أيام الجاهلية و بعدها. كان لقريش طوائف مختلفة و كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) من إحدى هذه الطوائف التي تسمي ” بني هاشم”.