“یآ أَیّها الّذین ءَامنوا استعینوا بالصبر والصّلاه إِنّ اللّه مع الصّابرین” [note]1- سوره البقره، الآیه 153[/note]
لقد تجمّعت فی کتاب الله المجید کل رکائز التربیه و وسائلها و بواعثها، و لعل من أبرزها وأعلى درجاتها هو الصوم، إذ هو کفٌّ للنفس عن الأمور التی یحل التعامل معها فی غیر حاله الصیام. فإنها تربّی الإنسان وتدرّبه وتنمّیه على قوه الإراده والعزم، وتجعله قادراً على اجتناب ما أحلّه الله له فی الحالات العادیه.
عن أبی عبد اللّه (علیه السلام) قال: إذا نزلت بالرجل النازله و الشده، فلیصم. فان اللّه- عز و جل- یقول: “و استعینوا بالصّبر” [note]2- “واستعینوا بالصّبر والصّلاه”(سوره البقره، الآیه 45).[/note]، یعنى: الصیام. [note]3- الخصال، المجلد 1، الصفحه 125[/note]
بادئ بدء نؤکد إن الصبر عباره عن حذف الزمن القادم، والوصول إلى الحدث المتوقع والمنتظر. فمن یصبر وینتظر الفرج، فإنه یحذف الزمن الفاصل بینه وبین الفرج، وبینه وبین النصر والوصول إلى الهدف. فکلما رأى فی طریقه المصاعب والمشاکل والابتلاءات، فإنه لا یولیها الأهمیه والإنتباه، و ینظر إلى الهدف البعید. کما أن الصائم إذا مضه العطش، ولسعه الجوع، وأخذه الضعف، منى نفسه بإنقضاء فتره الصوم والإمساک فی هذه الساعه أو تلک. أو کذلک الطالب فی المدرسه، حیث یقاوم السهر والبرد والتبکیر فی الصباح والاستمرار فی المطالعه والبحث وتقدیم الإمتحان تلو الإمتحان، کل هذه یقاومها ویرکز نظره فی نهایه العام الدراسی، حیث یأخذ وثیقه الإمتحانات بتفوق؛ فی ذلک تتلاشى جمیع الصعوبات التی مرت علیه، بل وتحلو لدیه. وهذا بالذات هو معنى الصبر والإستقامه.
أما لماذا کان الصوم صبرا؟ فواضح، لأن الصائم یستمر فی الصبر من أول الفجر إلى الغروب؛ لیس یصبر على الجوع و العطش والشهوات فحسب، وإنما یصبر أیضا على اقتراف السیئات والمحرمات.
و لما کانت درجه الصبر درجه عظیمه جداً، فقد وعد الله سبحانه و تعالى الصابرین بأن یؤتیهم أجورهم بغیر حساب [note]4- “إِنّما یوفّى الصّابرون أَجرهم بغیر حساب”(سوره الزمر، الآیه 10).[/note]و ذلک بسبب ان الصابرین یمثلون البقیه الباقیه من جمع المؤمنین، الذین لم یکن إیمانهم إیماناً موقتا. فالصابرون دائمو النظر إلى الهدف البعید، وهو یوم القیامه ولقاء ربهم، وقد کانوا مصداقاً طیباً لقوله تبارک اسمه: “و اعبد ربّک حتّى یأتیک الیقین” [note]5- سوره الحجر، الآیه 99[/note] حیث لا ینظرون إلى حیاتهم کلها إلا على أنها فتره زمنیه قصیره سریعه الانقضاء، وبالتالی فهم لا یعبدون الله على حرف، أو تهزهم الهزائز بمختلف أشکالها.
إن الصابرین الحقیقی هم الأقلیه القلیله التی آلت على نفسها إلا تتأثر بالصعوبات، فتتراجع عن الهدف الذی رسمته لنفسها.
ویخطأ من یدعی أن ثمه نهایه للصبر أو حدوداً، بل ان صبر المؤمنین لا ینتهی حتى یصلوا إلى یوم القیامه فیلاقوا ربهم، حیث یوفیهم أجورهم بغیر حساب، وهو الأمر المتوقع لصبر کان بلا حدود.
أما کیف تکون الاستعانه بالصوم؟
أولاً: أن الصائم یصبر عن هذه الشهوات الجسدیه العاجله، فتنمو إرادته وتتضاعف عزیمته قوهً.
ثانیاً: إن الإنسان بصیامه یتقرب إلى الله تعالى، ومن أولى بنصره الإنسان من الله؟
ثالثاً: إن الصائم یقترب من المعنویات، وکلما أراد الإنسان عُروجاً الى عالم المعنویات، کان أقدر على الهیمنه على المادیات. فمن یصاب بمصیبه، أو تلحق به خساره اقتصادیه، أو لم یجد للزواج سبلاً، فعلیه الاستعانه بالصیام، بدلاً من الانهیار أمام المشاکل؛ فإنه إذا صام ازداد معنویه وعزماً واقتراباً الى مصدر القوه والربح والعنایه والتوفیق، وهو الله جل وعز.
«مأخوذ من کتاب “أحادیث رمضانیه”، تألیف آیه الله السید محمدتقی المدرسی، (مع بعض التغییر و التلخیص)»
بمناسبه حلول شهر رمضان،
شهر الصبر و الاستقامه، موعد الطاعه و ربیع الرحمه و المغفره،
یبارک و یهنئ موقع الرشد مسلمی العالم و بالأخص أصدقاء الموقع الأعزاء.
الهوامش: