کان الشيخ تعبان لأنه کان قد قطع طريقاً طويلاً شوقاً لزيارة امير المؤمنين (علیه السلام) و اخيراً قد وصل إلی جيش الإمام. کان عناء و محنة الرحلة بادي علی وجه الشيخ. عند ذلک سأل عن الإمام. أرشده الأصحاب إلی موقف الإمام.
فسلم عليه ثم قال يا أمير المؤمنين: “إني أتيتك من ناحية الشام و أنا شيخ كبير. قد سمعت فيك من الفضل ما لا أحصي و إني أظنك ستغتال فعلمني مما علمك الله.” قال: “نعم يا شيخ من اعتدل يوماه فهو مغبون و من كانت الدنيا همّته اشتدت حسرته عند فراغها و من كانت غده شر يوميه فمحروم و من لم يبال ما رزئ من آخرته إذا سلمت له دنياه فهو هالك و من لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى و من كان في نقصٍ فالموت خير له يا شيخ إن الدنيا خضرة حلوة و لها أهل و إن الآخرة لها أهل ظلفت أنفسهم عن مفاخرة أهل الدنيا لا يتنافسون في الدنيا و لا يفرحون بغضارتها و لا يحزنون لبؤسها يا شيخ من خاف البيات قلّ نومه ما أسرع الليالي و الأيام في عمر العبد فاخزن لسانك و عد كلامك يقلّ كلامك إلا بخيرٍ يا شيخ ارض للناس ما ترضى لنفسك و آت إلى الناس ما تحب أن يؤتى إليك.” ثم أقبل على أصحابه فقال: “أيها الناس أ ما ترون إلى أهل الدنيا يمسون و يصبحون على أحوالٍ شتى فبين صريعٍ يتلوى و بين عائدٍ و معودٍ و آخر بنفسه يجود و آخر لا يرجى و آخر مسجى و طالب الدنيا و الموت يطلبه و غافلٍ و ليس بمغفولٍ عنه و على أثر الماضي يصير الباقي.” ثم أقبل ع على الشيخ فقال: “يا شيخ إن الله عز و جل خلق خلقاً ضيق الدنيا عليهم نظراً لهم فزهدهم فيها و في حطامها فرغبوا في دار السلام الذي دعاهم إليه و صبروا على ضيق المعيشة و صبروا على المكروه و اشتاقوا على ما عند الله من الكرامة و بذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان الله و كانت خاتمة أعمالهم الشهادة فلقوا الله و هو عنهم راضٍ و علموا أن الموت سبيل من مضى و من بقي فتزودوا لآخرتهم غير الذهب و الفضة و لبسوا الخشن و صبروا على القوت و قدموا الفضل و أحبوا في الله و أبغضوا في الله عز و جل أولئك المصابيح و أهل النعيم في الآخرة و السلام.
يا تری هل حدث لنا أن نضع أيام العمر علی ميزان التقدير و الدراسة مثل سائر الأشياء؟ إلی أی جهة نتّجه في الحياة؟ ما ثمن مضيّ الأيام عندنا و ما السلعة التي نحصل عليه تجاه بيع العمر؟
ربما يکون عيد الميلاد أمير المؤمنين (علیه السلام) و کلماته اللمعانة و دراستها في شهر الرجب المبارک أحسن ذريعة لکی نبحث بشکل أکثر و أفضل عن طريق السلوک و الحرکة في الحياة.
(مأخوذ من بحار الأنوار، مجلد 74، صفحة 379)
يبارک و يهنّئ موقع الرشد جميع المسلمين و الأحرار 13 من رجب، ذکری سنوية مولد المولود الوحيد الذی إفتخر الکعبة بموضع مولده، مولی الأتقياء، الرائد الوحيد في ساحة العمل، امير المؤمنين،الإمام علیّ بن ابی طالب (عليهما السلام).