«فصلي الحياة»

قال الإمام علی بن محمد الهادی (علیه السلام): “إن الله جعل الدنيا دار بلوى و الآخرة دار عقبى و جعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا و ثواب الْآخرة من بلوى الدنيا عوضا”(1).

و قال الإمام فی روایة أخری: “الدّنيا سوق ربح فيها قوم و خسر آخرون”(2).

الفرق بین الدنیا و الآخرة هو أن الدنیا دار للبدر و الزراعة أما الأخرة هی دار للحصاد و الإاستفادة. فلا یوجد فی الآخرة عمل و لا مقدمة بل کل هناك هو محصول و نتیجة؛ تماما مثل یوم الذی تعلن فیه نتیجة الإمتحانات للطلاب. فإذا ألح الطالب علی إعطائه مهلة للدراسة فی  لحظات الإمتحانات فهو لن یسمع سوی الجواب بأنه قد فات وقت القراءة، و إذا ألح أن یمتحن یوم إعلان النتیجة فسوف یجاب بأنه قد فات وقت الإمتحان و هذا هو وقت إعطاء الدرجات. و الأنبیاء الذین ینادون أیها الناس إعملوا صالحا  و ادخروا لأنفسکم زادا لآخرتکم، إنما نداؤهم و إلحاحهم کان بسبب أن زمن العمل محدود و فإذا فات استحالت إعادته.

و يستفيد الإنسان العاقل من فرص الدنيا المحدودة لكي يدخر لنفسه زادا لآخرته. أما إذا كان الرد عكس الإنسان العاقل و عندما تصل المهلة إلی نهایتها و ینفصل الروح عن البدن بأمر منه تعالی عندئذ یسقط فی یدك و کلما نادیت: “رب ارجعون لعلی أعمل صالحا فیما ترکت” لم تسمع جوابا سوی “کلا”(3). فلو کان من الممکن أن تعود الثمرة المقطوعة من شجرتها إلی الشجرة و تستعید وضعها السابق لکانت العودة إلی الدنیا ممکنة، و لکن قانون الحیاة یأبی ذلک لأن الأوان قد فات.

یشبه وچود الإنسان بأکمله بالدورة السنة، و کل واجدة من الدنیا و الآخرة قد شبه بفصل من فصول السنة، فالدنیا فصل البذر و الآخرة فصل الحصاد. لنكن ضمن زمرة الذين يدخرون لآخرتهم و يكون نصيبهم ثواب الآخرة طبقا لحديث الإمام الهادي (عليه السلام).

(مأخوذ من کتاب: “العدل الإلهي”، التأليف: “الأستاد الشهيد مرتضی المطهري”(مع التلخيص و الإضافات))

بمناسبة حلول الخامس عشر من ذي الحجة،

يبارك موقع الرشد مسلمي العالم،

ذكرى ولادة قدوة الصالحين و حجة الله على العباد،

عاشر أئمة الشيعة،

الإمام علي بن محمد الهادي (علیه السلام).

الهوامش:

1ـ تحف العقول، الصفحة 483

2ـ تحف العقول، الصفحة 483

3ـ يشير هذا الموضوع الى الآيات 99 و 100 من سورة المؤمنون: “حتی إذا جاء احدهم الموت قال: «ربّ ارجعون لعلّی اعمل صالحا فیما ترکت!» (و لکت یقال له:) کلّا!…”