كما قد ذُكر سابقاً، فإن الامام المهدي (عليه السلام) غائبٌ عن الأنظار بتدبیر رب العالمين، ولكن في عصر الغيبة ينال شیعته و المحسنين من غير المسلمين من لطفه بغير حساب. وقد أعان شيعته و غيرهم من الناس مراراً، وقد توفّق المئات من الناس لرأيته في هذا العصر. وللمهدي غيبتين: الأولى وقد عُرف بالغيبة الصغرى وأما الثانية فمعروفٌ بالغيبة الكبرى. ففي الغيبة الصغرى غاب عن الأنظار مدة 69 سنة في القرن الثالث هـ.ق.، وكان يرتبط بالناس من خلال أربعة أشخاص في ذلك العصر وقد اشتهروا بالنواب الخاص. وبعد موت آخرهم غاب الموعود عن أعين الناس لمدة غير معلومة وهو غائب الى يومنا هذا. يعيش المهدي (عليه السلام) بين الناس وعند ظهوره يدّعي الكثير من الناس أنهم قد رأوه ولكنهم لم يعرفوه. هناك عدة من الناس أنكروا غيبة الامام و تسائلوا حول أصل وجوده، ولكن هناك دليل مختصر حول سؤالهم و هو: ان عدم رؤية الشيء لا يجلب الشك في أصل وجوده، والعقل السليم لا یمکنه انکار حقیقة غیر المرئي کالروح بسبب عدم رؤیته.
فلسفه الغيبة:
ان كل ما يحتويه دين الاسلام من مسلّمات الأمور، مطابق للعقل السلیم. و یمکن أن يكون في الدین أمور قد سکت العقل عندها، و لکن إذا واجهنا فی المسائل الشرعیة أمور لا يقدر العقل و الفهم المحدود للبشر علی إثباته أو ردّه فعلینا أن نقبله، والسبب هو: أولاً، بناء أصل الشريعة علی أساس العقل، و الثاني أن فهم البشر محدود بالزمان و المکان و أن الموجود الذي لا غایة لعلمه هو الله تبارک و تعالی.
ذكرنا هذه المقدمة لكي نعمّم استدلالنا حول مسئلة الغيبة. يمكن الادّعاء ان هذا الأمر و الأمور المتشابهة مرتبطة بالحكمة الإلهية، والتي لا يعلم البشر كل أبعادها. هناك بعض الدلائل حول مسألة الغيبة و نذکرهم باختصار، ولكن علينا ألا ننحرف عن أصل الموضوع وهو عدم بيان حکمة الغیبة للبشر العادي.
*الخوف من قتل المنجي :
كما ربى الله موسى و قدّر أن يترعرع في قصر فرعون، ولم يكن يعلم فرعون عن أصله و المستقبل الذي قدّر لهذا الطفل و حفظ حياته، فشاء الله أن يحفظ المنجي من الطواغيت و الظالمين و يحفظ بقية الله في الأرض، و ان لم يمكن كذلك لكان قد استشهد كآبائه الكرام على ايدي الجبابرة الظالمين.
*عدم وقوع بيعة الجبارين في عنقه:
لهو أمرٌ واضح إذ يجب على المنجي ألا يبايع أو يعهد لأي ظالم و ألا يطيع أحد غير الله الى أن يتحقق النصر النهائي. ولكن ان كان كمثل بعض أجداده مجبور على التقيّة ( التقية: التظاهر بطاعة الجبّار لحفظ النفس و دين الله) فلن يحصّل على هذا المهام أبداً. فلذا لكي يمتنع التسليم و التمکین لأي شخص غير الله فكان مجبوراً على الغيبة.
*اخلاص الناس و الامتحان الإلهي:
من احدى السنن الإلهية هي امتحان البشر، وإحدى طرق الامتحان هي غيبة حجة الله. ففي هذه الغيبة، يفوز الذين يترسخ في قلوبهم الايمان في هذا الامتحان. ولكن لطول هذه الغيبة يشتكي الكثير من الناس الذین لیس في قلوبهم ایمانٌ راسخ و يرجعون عن دين الله، و هذه علامة لتقييم الذين يدّعون الايمان من المؤمنين أو الكفّار.