منذ وقعت الشام في ید المسلمین، فقد حکمها قادة کخالد بن الولید و معاویة بن أبي سفیان. لم یدرک اهل الشام مصاحبة النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) و لم یعلموا منهج أصحابه. و إن قلیلا من أصحاب النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) الذین ارتحلوا إلی الشام کانوا أناس منقطعین بعضهم من بعض و لم یکن لهم تأثير علی عامة الناس. فبذلک اعتبر أهل الشام تصرّفات معاویة و أعوانه و صفاتهم سنن الإسلام، و أیضاً بما أنهم کانوا تحت حکم امبراطوریة الروم و لقد رأوا أن الحکومات الإسلامیة أعدل من حکومات الروم، فقد أیدوا أعمالهم.
لقد کان مدى هذا الجهل بدرجة حیث جاء في أسناد التاریخ: عندما جاء عدد من مشایخ الشام عند الخلیفة العباسي، السفاح، کانوا یحلفون بأننا لم نعلم أقرباءً لرسول الله غیر بنی أمیة لیرثه؛ إلى أن أصبحتم أمیراً!!(1)
فلقد أصبحت هذه البلدة، مع ما تحمّلها من السجل، صالة لقیام الإمام السجاد (علیه السلام) برسالته التاریخیة عن الدفاع من إنجازات واقعة الطف و هدایة الناس الى الله. فإن الإمام (علیه السلام) دخل الشام بثیاب الأسر و بعد ما شاهد من المصائب الألیمة لواقعة کربلاء و التاریخ یشهد بان أیدی الإمام و عنقه کانتا مغلقة بعضها ببعض مع الأغلال و السلاسل (2) و لقد ربطوا رجلیه فی أسفل بطن الناقة، لأنه بسبب مرضه لم یستطع أن یبقى على ظهر الناقة.(3)
بهذه الهیئة و عند دخول سبایا واقعة کربلاء إلى مدینة دمشق في أرض الشام، دنا شیخ شامي من الإمام السجاد (علیه السلام) و قال:
«الحمد الله الذی قتلکم و أهلککم و أراح البلاد عن رجالکم، و أمکن أمیرالمؤمنین منکم.»
سکت الإمام السجاد (علیه السلام) حتى أنهى الشیخ الشامي کلامه.
فقال له الإمام (علیه السلام): یا شیخ! هل قرأت القرآن؟
فقال الشیخ: نعم.
فقال له الإمام (علیه السلام): فهل عرفت هذه الآیة: “قل لا أسألکم علیه أجراً إلاّ المودّة في القربى”؟ (4)
فقال الشیخ : نعم قد قرأت ذلک.
فقال له الإمام (علیه السلام): فنحن القربى، یا شیخ!
ثمّ قال له: فهل قرأت في بني إسرائیل : “وآتِ ذا القربى حقّه”؟ (5)
قال: قد قرأت.
قال (علیه السلام): فنحن القربى یا شیخ، فهل قرأت هذه الآیة: “واعلموا أنّما غنمتم من شیء فإنّ لله خمسه وللرسول ولذی القربى”؟
قال: نعم.
فقال الإمام (علیه السلام): فنحن القربى یا شیخ.
ثم قال (علیه السلام) : فهل قرأت هذه الآیة؟ “إنّما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت ویطهّرکم تطهیراً”؟(6)
قال الشیخ: قد قرأت ذلک.
فقال علی بن الحسین (علیه السلام): فنحن أهل البیت الذی خصّصنا الله بآیة الطهارة یا شیخ.
بعد استماع الشیخ کلام الإمام السجاد (علیه السلام) فقد عَلِم ان ما سمع عن هذه السبایا غیر صحیح و أنهم لیسوا من الخوارج بل هم من أهل بیت النبي (صلى الله علیه و آله و سلم). فندم من کلامه ثم قال: “اللهمّ إنّا نبرأ إلیک من عدوّ آل محمّد …”(7)
إذا بحثنا أکثر فسنجد شواهداً أخرى في الأسناد التاریخیة حول موقف الشام و کیفیة تعامل الإمام السجاد (علیه السلام) و تنویره الرأی العام. القضية التالية من إحدى تلک الأمثلة.
لمّا قدم علی بن الحسین (علیهما السلام) الشام، إستقبله إبراهیم بن طلحة و قال: “یا علی بن الحسین، من غلب؟”
لقد کان في حدیثه إشارة لمعرکة الجمل التي دارت بین جیش الإمام علي (علیه السلام) و طلحة و الزبیر و في حینها قُتل طلحة، والد إبراهیم.
فقال له الإمام السجاد (علیه السلام): “إذا أردت أن تعلم من غلب ودخل وقت الصلاة فأذّن ثمّ أقم.” (8)
إذا دققنا جیداً نفهم من کلام الإمام (علیه السلام) نقطة خاصة و هو أنّ الصراع إنّما هو على التوحید و الإقرار بوحدانیة الله تعالی ولیس على رئاسة بني هاشم أو بني أمیة.(9)
و علی شهادة صفحات التاریخ، فقد قام الإمام السجاد (علیه السلام)، بمکافحة طواغیت الجهل و الظلم، باتخاذ القرارات الصحیحة و الاستخدام الأسالیب المؤثّرة.(10) و لقد احتفظ الإمام (علیه السلام) ثقافة العاشوراء و انجازاتها الثمينة بشکل تام و استمر ملحمة کربلاء على مدى التاریخ.
(مأخوذ من کتاب “حیاة علی بن الحسین (علیه السلام)”، التألیف: “المرحوم الدکتور السید جعفر الشهیدي” (مع بعض التصرف و التلخیص))
بمناسبة حلول 25 من محرم الحرام،
یعزی موقع الرشد مسلمی العالم و بخصوص أصدقاء الموقع الأعزاء ذکرى شهادة
سید العابدین و قدوة الزاهدین،
الإمام علی بن الحسین (علیه السلام).
الهوامش:
1- الهفوات النادرة، الصفحة 371- مروج الذهب، المجلد 2، الصفحة 73
2- الأمالی للشیخ الطوسی، المجلد 1، الصفحة 90 – مقتل الخوارزمی، المجلد 2، الصفحة 40
3- ناسخ التواریخ، المجلد 3، الصفحة 30
4- سورة الشوری، الآیة 22
5- سورة الإسراء، آیة 26
6- سورة الأحزاب، الآیة 33
7- مقتل خوارزمی، المجلد 2، الصفحة 61- اللهوف، الصفحة 74
8- الأمالی للشیخ الطوسی، الصفحة 677
9- یتضح من کلام ابن طلحة نقطة و هي ان بعض أبناء کبار المهاجرین و أشراف قریش الذین ما یعرفون الإسلام کما هو، و إذا لم نقل انهم برزوا مع النبي (صلى الله علیه و آله و سلم) للمال و القدرة، ولکن لم یصل أبنائهم لتلک الدرجة من الإیمان. و إلا فکیف یمکن أن یحسب معرکة الجمل أو فتح مکة و حادثة کربلاء و شهادة الإمام الحسین (علیه السلام) فوز بني هاشم أو بني أمیة، و کیف یمکن لمثل هذا الشخص أن یکون فرحاً بأنه على عکس معرکة بدر، إنتصر الأمویون على الهاشمیين في کربلا و هو لیس من بني أمیة،؟!
10- إن إحدى تلک الأسالیب هي بیان النقاط العقائدیة و … في الأدعیة و إن مجموعة من تلک الأدعیة موجودة في کتاب باسم “الصحیفة السجادیة”.