يوجد في عُرف عامة الناس بعض الكلمات من النوع التي تعطي لها عظمة و احتراماً و قداسة. و من هذا الکلمات التی بعضها محفوفة بالعظمة و القداسة فی عرف الناس أو عند المسلمین، هی عالم، فيلسوف، مخترع، بطل، أستاذ، مصلح، و غيرها.
إذا كان هناك شخصاً یعرف المفاهيم الإسلامية فيعلم ان كلمة “الشهيد” في عُرف المسلمين من النوع التي تعطي صاحبها حائزة قسم من القداسة و محفوفة بالنور. و السبب في ذلك هو انّ في منظر الإسلام أي فرد ينال درجة الشهادة فقد وصل الى أعلى المراتب التي يمكن أن يصلها الإنسان. و من هنا يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم): فوق کل برّ برّ حتى یقتل الرجل فی سبیل الله عز و جل فإذا قتل فی سبیل الله فلیس فوقه برّ.”(1)
و الآن مع هذه المقدمة، نبین من ملهمة الشهید العظیمة:
إن أي شخص خدم للبشرية خدمة فله حقٌ على البشرية. العالم بعلمه، المتفكر بتفكره، المخترع عن طريق ما صنعه، و معلم الأخلاق بواسطة حكمته العملية، كلهم لهم الحق على البشرية كافة. و لكن ما هو حق الشهيد على البشرية؟
إن الشهيد بفدائه و فناء نفسه و اشتعاله يساعد محيطه للفعالية و خدمة السائرين. في الحقيقة كل المجموعة الذين قد ذكرنا قبل، يقدمون شيئاً من أنفسهم لخدمة البشرية، أما الشهيد فيقدم حياته و كل وجوده في طبق الإخلاص و مع سيل دمه يقدم دماً طازجاً في نمو المجتمع. فلذا إن هذه الحرکة من جانب الشهيد قد جعل حق السائرین تحت شعاعها و الكل أصبح مدینونا له. لذا يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم): ” ما من قطرة أحبّ إلی الله عز و جل من قطرة دمٍ فی سبیل الله.”(2)
في الحقيقة ان الشهيد هو مثل الشمعة المنيرة التي خدمتها هی احتراقها و فنائها لكي یریح السائرین فی شعاعها و تحتها یستخدم البشریة.(3)
و لكننا لم نتحدث حول الشهادة و قداسة أمرها. في واقع الأمر من أين يأخذ الشهيد قداسته؟ إن الشهادة مختلفة عن جهتين عن سائر أقسام الموت، و يجب البحث حول قداستها من هذه الجهة. الأول هو أن بعض أنواع الموت يكون عن طريق ارتكاب الجريمة؛ سواءاً كان من المقتول الذي يحمل اسم الضحية أو من جانب القاتل الذي بقتله للمقتول لا يجلب للمقتول أية افتخار.
و لكن إذا كانت الشهادة في طريق هدف مقدس و في سبيل الله فتكون فيها مفخرةٌ.
و الثانی أنه مع خلاف عموم أنواع الموت الذي يموت فيه الشخص بغير إرادته و طبعاً لا ينحسب له أي مفخرة، فتكون الشهادة عن علمٍ و اختيارياً، و هذا ينحسب للشهيد قيمة عظيمة. فلذا إن الشهادة نوع من الموت التی هي أعلى و أقدس درجة من الحياة، و الشهيد الذي يفدي مع إرادته بكل نفسه في سبيل الله يكون له مکانة شريفة و مقدسة.
في الحقيقة، بما أنّ الشهيد يرى ان الشهادة أفضل أنواع الموت فيكون دائماً في انتظارها. ولکن علاقة الشهيد بالموت ليست علاقة الدجاجة بقفصها، بل من نوع علاقة الطالب بالجامعة؛ بمعنى ان الشهيد يعلم ان وجوده في جامعة هذا العالم لازمة لتكامل و تعالي نفسه، و لكن في عين الحال فإن أمل الوصول لمنزلة الآخرة تكون ناراً مشتعلة في جوفه. يمكن مشاهدة هذا العشق للآخرة بوضوح في كلام مولى المتقين الإمام علي (عليه السلام)؛ حينما قال بعد أن تلقى الضربة على رأسه الشريف: “فُزتُ و ربّ الکعبة!”(4)
لذا، إن الشهادة هي أعلى خاتمة لجسم الإنسان و أعظم خدمة للبشرية و أبقاها. فإذاً، كلما برز الشهداء أكثر خلوصاً و أوفر حریة في ميدان الشهادة في بذل و فداء أنفسهم في سبيل الله، فيزداد بذلك من شرافتهم و قداستهم. و من هنا فإن أفضل شخص قدّم نفسه في سبيل الشهادة كان الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام).
تُأكد صفحات التاريخ إن الإمام الحسين (عليه السلام) كان أسبق الناس في بذل نفسه و قداسة هدفه. و أيضاً إذا لم نأخذ بعين الاعتبار أي شأن من شئون الإمامة للإمام الحسين (عليه السلام)، فيكفي أن نذكر لبيان شرافته إنه أسبق من ضحى بنفسه و ماله و أهله و ما كان عنده في سبيل الله. فقلناو نقول حقاً إن الإمام الحسين (عليه السلام) هو سيد الشهداء؛ بل و هو سيد الشهداء في كل زمان و مكان، و البشرية كلها مديونة لدمه الطاهر.
(مأخوذ من مقالة “الشهيد”، تأليف الأستاذ مرتضی المطهري، مع بعض التصرف و التلخیص)
20 صفر، يعزي موقع الرشد أحرار العالم و بخصوص أصدقاء الموقع الأعزاء
بذكرى أربعينية استشهاد تجسّم الطهارة و أسوة الشهداء
سید الشهداء،
الإمام الحسین بن علي (علیهما السلام).
… … … … … … … … … … … … … … … … … … … … …
الهوامش:
1- الخصال، المجلد 1، الصفحة 9
2- الکافي، المجلد 5، الصفحة 53
3- يعبّر القرآن کریم في آیة 45 و 46 من سورة الأحزاب حول الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله و سلم) تعبیراً جمیلاً و يعرّف النبي بالسراج المنير.
4- المناقب لابن شهر الآشوب، المجلد 2، الصفحة 119