«شعاع من نور “الصادق”»

لمعرفة قیمة کل مدرسة، فإن واحدة من أفضل الطرق هی النظر إلى المنتمین لتلک المدرسة من باب التأثیر، فإن تمکن مدرسة من تقدیم شخصیات علمیة کبیرة للأمة، فذلک یدل على قیمة و إمکانیة تلک المدرسة فی تعلیم و تنمیة أفکار المجتمع.

هنا، نلقی الضوء على مدرسة الإمام الصادق (علیه السلام)، والتی التحق بها العدید من التلامذة لکسب العلم والمعرفة، حتى قدر بعض المؤرخین بلوغ عددهم الى نحو 4000 طالب علم.

إن من أبرز ممیزات مدرسة الإمام الصادق (علیه السلام) التخصص فی مجالات متعددة. على سبیل المثال، تخصص “حَمران بن أعیَن” فی علم قراءة القرآن، فیما تخصص “أبان بن تَغلِب” فی علم أدبیات العرب، و “زرارة بن الأعین” فی الفقه، و”مؤمن الطاق” فی علم الکلام، و”حمزة الطیار” فی حوزة مسائل الجبر و الاختیار، أما “هشام بن سالم” فقد تخصص فی التوحید و تخصص “هِشام بن الحَکَم” فی مباحث الإمامة. لقد تخصصت تلک النخبة تخصصاً کاملاً فی مجالاتهم و تبحّروا فی أعماقها.

و لهذا، فرغم صغر سن “هشام بن الحکم” إلا أنه کان موضع احترام الإمام الصادق (علیه السلام). لقد بحث هشام فی المذاهب المختلفة، و لکنه فی الأخیر، وجد ضالته المفقودة فی مدرسة الإمام الصادق (علیه السلام)، و حقق فی مناظراته مع الفِرق و المذاهب المختلفة فی مجالات اعتقادیة مختلفة غیر مسبوقة تقدمًا کبیرًا، و کان العلماء یرونه أستاذاً بارعاً، و اشتهرت مناظرته مع جاثلیق النصرانی (أحد کبار علماء المسیحیین فی ذلک الزمان) فی عقائد المسیحیة و مناقشته مع النظّام حول الخلود فی الآخرة، لکن من الجمیل أن نشیر فی ذکرى شهادة مربی و أستاذ هشام جانب من مناظرته مع أحد علماء أهل السنة، “ضرار بن عمرو (أبا عمرو)”، کما یلی:

دخل ضرار بن عمرو الضبی على یحیى بن خالد البرمکی(1) فقال له : “یا أبا عمرو، هل لک فی مناظرة رجل هو رکن الشیعة؟”

فقال ضرار: “هلم من شئت”

فبعث إلى هشام بن الحکم فأحضره فقال له : “یا أبا محمد! هذا ضرار و هو من قد علمت فی الکلام والخلاف لک فکلمه فی الإمامة”.

فقال له: نعم.

ثم أقبل على ضرار فقال: “یا أبا عمرو خبرنی على ما تجب الولایة و البراءة أ على الظاهر أم على الباطن؟”

 فقال ضرار: “بل على الظاهر فإن الباطن لا یدرک إلا بالوحی”

قال هشام: “صدقت فأخبرنی الآن ‌ای الرجلین کان أذب عن وجه رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) بالسیف و أقتل لأعداء الله بین یدیه و أکثر آثارًا فی الجهاد؟ أ علی بن أبی طالب أم أبو بکر؟”

فقال: “بل علی بن أبی طالب و لکن أبا بکر کان أشد یقینًا!”.

فقال هشام: “هذا هو الباطن الذی قد ترکنا الکلام فیه، وقد اعترفت لعلی بظاهر عمله من الولایة و أنه یستحق بها من الولایة ما لم یجب لأبی بکر.”

فقال ضرار : “هذا هو الظاهر نعم”

ثم قال له هشام : “أ فلیس إذا کان الباطن مع الظاهر فهو الفضل الذی لا یدفع؟”

فقال له ضرار: بلى.

فقال له هشام: “ألست تعلم أن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال لعلی: «أنت منی بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبی بعدی.»(2)”

قال ضرار: نعم.

قال هشام: “أ فیجوز أن یقول له هذا القول إلا و هو عنده‏ فی‏ الباطن‏ مؤمن‏؟”

قال: لا.

قال هشام: “فقد صح لعلی ظاهره و باطنه و لم یصح لصاحبک لا ظاهر و لا باطن و الحمد لله.” (3)

 «منقول من کتاب “هشام بن الحکم؛ مدافع حریم الولایة”، تألیف: “السید أحمد الصفائی” (مع التلخیص و الإضافات)»

بمناسبة حلول الخامس والعشرین من شوال،

یعزی موقع الرشد تمام المسلمین و بالأخص أصدقاء الموقع الأعزاء،

ذکرى شهادة سادس أئمة الشیعة

و مبین الدین الإلهی و مروّج التعالیم النبویة

الإمام جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام).

الهوامش:

1- کان “یحیی بن خالد البرمکی” وزیر هارون الرشید العباسی وکان ذو سلطة ومکانة. لقد نصبه هارون وزیراً له عند بدایة خلافته وألبسه خاتمه الخاص. (تاریخ الرسل والملوک، الصفحة 5231) کان أول وزیر یلقب بلقب الأمیر. (الوزراء والکتاب، الصفحة 229).

2- لقد ذکر هذا الحدیث فی الکتب الإسلامیة المختلفة والمهمة لکلا الفریقین وهو متفق علیه. یمکنکم مراجعة الموارد التالیة فی هذا الخصوص:

ا- منابع الشیعة: أصول الکافی، المجلد 8، الصفحة 107؛ الأمالی للطوسی، الصفحات 171 و 253؛ الإرشاد، المجلد 1، الصفحة 8 و 156؛ الخصال، المجلد 1، الصفحة 311.

ب – منابع أهل السنة: صحیح البخاری، المجلد 5، الصفحة 19، الرقم 3706؛ صحیح مسلم، المجلد 4، الرقم 1870، الحدیث 2404؛ مسند أحمد، المجلد 3، الصفحة 160، الرقم 1608؛ سنن ابن ماجة، المجلد 1، الصفحة 45، الرقم 121؛ سنن الترمذی، المجلد 6، الصفحة 88، الرقم 3730.

3- الفصول المختارة؛ الصفحة 28