بما أن جميع الأديان السماوية يعترف بوجود نعمة العقل في الإنسان، فقد يخاطب الإنسان کموجود عاقل و يحتجّ علی الإنسان بالعقل. إن هذا الموضوع ذو أهمية بالغة في الإسلام حيث ان دين الإسلام آخر و أكمل الأديان السماوية، و لذلك فإن جميع الإعتقادات الإسلامية تتشكل عن طريق محور العقل و يكون العقل حجة إلهية، و العقل هو معيار اختيار الدين و اعتناق الأصول العقائدية. يعلمنا أهل البيت (عليهم السلام) أنه يجب أن لا تتعارض الإعتقادات الصحيحة مع العقل أبداً ، بل و أيضاً يجب على العقل أن يحكم بصحة العقيدة.

كمثال، إن أحد أسس الأصول الاعتقادية في جميع الأديان الإلهية هو لزوم بعثة الأنبياء بين الناس کحجج إلهية. يرسم لنا الإمام الصادق (عليه السلام)  في مناظرة مع رجل، الجذور الصحيحة و السليمة لهذا الإعتقاد.

جاء أحد المنكرين إلی الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) و طرح عليه بعض الأسئلة. و كان من بين تلك الأسئلة: “فمن أين أثبتّ أنبياء و رسلا؟”

قال أبو عبد الله (علیه السلام): “إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا و عن جميع ما خلق و كان ذلك الصانع حكيما لم يجز أن يشاهده خلقه و لا يلامسهم و لا يلامسوه و لا يباشرهم و لا يباشروه و لا يحاجّهم و لا يحاجّوه فثبت أن له سفراء في خلقه و عباده يدلونهم على مصالحهم و منافعهم و ما به بقاؤهم و في تركه فناؤهم فثبت الآمرون و الناهون عن الحكيم العليم في خلقه و ثبت عند ذلك أن له معبرين و هم الأنبياء و صفوته من خلقه حكماء مؤدبين بالحكمة مبعوثين بها غير مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق و التركيب مؤيدين من عند الله الحكيم العليم بالحكمة و الدلائل و البراهين و الشواهد من إحياء الموتى و إبراء الأكمه و الأبرص فلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول و وجوب عدالته.”

عندما حصل هذا الفرد علی أجوبة جميع أسئلته من الإمام الصادق (عليه السلام) أسلم على يديه المباركتين و نطق الشهادتين بلسانه.

على هذا الأساس يتوضح لنا أن أحد النتائج العقلائية لمسألة التوحيد هو لزوم بعثة الأنبياء. فإذا قبل الإنسان هذه الحقيقة و مارسه في معيشته يمكنه أن يجرّب طريق الحياة السعيدة التي هو تشتمل علی المصالح و المفاسد الحقيقية.

(مأخوذ من کتاب “حیاة القلوب”، التألیف: العلامة المجلسي، مع التوضيح و التصرف)

يبارك و يهنئ موقع الرشد مسلمي العالم بمناسبة الذكرى السنوية

لبعثة سيد الرسل و خاتم الأنبياء

محمد المصطفی (صلی الله علیه و آله و سلم).