“ثورة شاملة”

عندما كان معاوية في أواخر عمره، إختار إبنه يزيد لولاية العهد(1)، و بذلك بنی مستقبلٌ مظلمٌ للأمة الإسلامية. و بهذه المناسبة بدأ الإمام الحسين (عليه السلام) ببعث رسائل صاخبة يطعن و يستنكر و یستقبح فيها أفعال معاوية، و قرر أيضاً أن يهيئ حشدا عموميا ليسلط الضوء علی الأمور للأمّة الغافلة و النائمة. فلذا في موسم الحج في منى(2) دعا فيها كبار الأمة و شكّل حشدا غفيرا من الناس (حوالی الألف) و في مقاطع من خطابته قال:

“اعتبروا أيها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول «لو لا ينهاهم الرّبانيّون و الأَحبار عن قولهم الإِثم »(3)…

وإنما عاب الله ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهُرهم المنكروالفساد فلا ينهونهم عن ذلك …

لقد خشيت عليكم أيها المتمنون على الله أن تحل بكم نقمة من نقماته‏…و قد ترون عهود الله منقوضة فلا تفزعون‏… و ما لي لا أعجب و الأرض من غاش غشوم و متصدق ظلوم و عامل على المؤمنين بهم غير رحيم‏

 … سلطهم على ذلك فراركم من الموت و إعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم‏.”

ثم بيّن الإمام الحسين (عليه السلام) الهدف الأصلي لنهضته و قيامه و قال: “اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان و لا التماسا من فضول الحطام و لكن لنرى المعالم من دينك و نظهر الإصلاح في بلادك و يأمن المظلومون من عبادك و يعمل بفرائضك و سننك و أحكامك…”(4)

مات معاوية و أخذ يزيد مقاليد الخلافة من بعده. لم يمض زمانا علی خلافة يزيد و قد طلب البيعة من الإمام الحسين (عليه السلام)عن طريق والي المدينة. قال الإمام في جوابه:

“و علی الإسلام السلام اذ قد بلیت الأمة براعٍ مثل یزید.”(5)

و بهذا الکلام إنما عنی الإمام ان البيعة مع يزيد سوف يسفر عن الرضا بهدم الإسلام. تبيّن هذه الجمل أن غایة الإمام الحسين (عليه السلام)الأصلیة من قيامه الدامي هي حفظ أساس الإسلام و منع انهدام أركانه. إن استخدام الإمام تعبير «مثل یزید» يبيّن في قوله إنني لا أقابل علی یزید بشخصه بل بشخصیته و إن الطرف المقابل هو الفكر اليزيدي الذی إذا ظهر في أي زمان أو عصر من أي فردٍ أو جماعة و قاموا بمخالفة دين الله فإنني سأخالفه و أقوم ضده.

إن يزيد نفسه قد مات و ذبل تحت التراب، و لكن الفكر اليزيدي باق في العالم اإى ظهور المهدي (عليه السلام)، و يجب على شيعة الحسين (عليه السلام) أن يکافح هذا الفكر الباطل. و إحدی أهداف ذکری السنویة لعاشوراء في کل عام هو إحیاء هذا التفکر الحسینی .

هذا هو هدف الإمام الحسين (عليه السلام) عندما سلّم في يوم عاشوراء نفسه و أعزّائه لرضا الله تعالى إلی أعظم المصائب، و لم یتردد ذرّة  بل أصبح أكثر صرامةً و شدة و یؤثر إيثاراً كأن لم تصبه أية مصيبة …

لقد جاءت اللحظة التي بقي منفردا،علیه أن يدفع الأعداء عن نفسه و يراقب الخيام أیضا لكي لا يصيب أهله بضرر. كان يهجم على جيش الأعداء و يبعّدهم عن نفسه ثم يرجع. كان يقف أینما إستطاع أن یری الخيام و یلقي نظرة إلى الخيام و يقول بصوتٍ عال: “لا حول و لا قوة الا بالله” لكي يسمع أهله صوته و يعلموا أنه حي بعد.

و أخیرا سئم و تعب، لم يكن قادر علی الهجوم و الرجعة المکرر. رجع إلى الخيمة للوداع الأخير و ذهب عند ولده زين العابدين (عليه السلام) الذي كان مريضاً و قد أغمي عليه. وضع الإمام يده على جبهته ففتح عينيه و رأى الدماء یسیل من منافذ جوشن أبيه، تحرّك ليقوم من مكانه ولکن لم يقدر. لم تكن هناک فرصة للسؤال و الجواب، فأوصاه بوصايا و قال:

«استعدوا للبلاء و اعلموا ان الله حافظکم و حامیکم … لا تشکوا و لا تقولوا بألسنتکم ما ینقص من قدرکم»

فانحنى الإمام الحسين (عليه السلام) و قبّل ولده، ثم قام من مقامه و ركب جواده و التفت إلى أهل حرمه لآخر مرة و قال: «علیکنّ منّی السّلام»،أستودعكم الله ، إني راحل ایضا.

لقد ذهب و لم يرجع بعد، إلى أن وصل صوت جواده إلى مسمع أخواته و بناته. فركضوا إلى خارج الخيام و التفتوا نحو مصرعه …و علت الصياح و الصراخ: “وا محمداه؛ وا علیاه؛ وا حسیناه.”(6)

(مأخوذ من كتاب “عاشوراء: القیام من الابتداء الى الانتهاء”، التألیف: “آیة الله سید محمد الضیاءآبادي”)

 يعزي موقع الرشد جميع أحرار العالم، و بخصوص أصدقاء الموقع الأعزاء

ذكرى إستشهاد محيي الدين و القربان الإلهي العظيم

سید الشهداء، الإمام الحسین بن علي (علیهما السلام)

 و أصحابه الأوفياء.

الهوامش:

1- حسب الصلح بين الإمام الحسن (علیه السلام) و معاویة، ما کان لمعاوية حق أن يعيّن وليّا من بعده.

2- لقد تمّ تشكيل هذا الجمع في منى سنة أو سنتين قبل موت معاوية.

3- “لو لا ینهاهم الربانیون و الأحبار عن قولهم الاثم و اکلهم السحت …”(سورة المائدة، الآیة 63)‏

4- “و علی الإسلام السلام اذ قد بلیت الأمة براع مثل یزید”

5- اللهوف علی قتلی الطفوف، الصفحة 24

6- اللهوف علی قتلی الطفوف