إن إحدى التعاليم المشتركة بين الأديان الإلهية هي التقوی و السعي لصيانة الروح في ظل الطاعة و العبودية. كلما جاء نبيٌ من عند الله للبشر قام بالتأكيد خصوصاً على رعاية الحريم الإلهي و على هذا المنطلق قام بتشويق أتباعه للبر و التقوى و الحذر من معصية الله تعالى.
مع أن زينة الروح و كسب الكمالات المعنوية هي شرط الدخول الى ملكوت الله، فأحياناً حتى في الارتباط الخاص بين الله و أنبياءه يوجد هناك حديث عن القيادة و رعاية تقوی الله. إن هذا الموضوع منعكسٌ كاملاً في أحد المحادثات الخاصة بين الله تعالى و نبي الله عيسى المسيح (عليه السلام)، و نذكر بعضاً منها:
«يا عيسى كن حيث ما كنت مراقباً لي و اشهد على أنّي خلقتك و أنت عبدي… لا يصلح لسانان في فمٍ واحدٍ و لا قلبان في صدرٍ واحدٍ و كذلك الأذهان… و كلّ شهوةٍ تباعدك منّي فاهجرها و اعلم أنّك منّي بمكان الرّسول الأمين فكن منّي على حذرٍ…
يا عيسى اذكرني في نفسك… افرح بالحسنة فإنّها لي رضًا و ابك على السّيّئة فإنّها شينٌ و ما لا تحبّ أن يصنع بك فلا تصنعه بغيرك…
يا عيسى خفني و خوّف بي عبادي لعلّ المذنبين أن يمسكوا عمّا هم عاملون به فلا يهلكوا إلّا و هم يعلمون… [فاعلم] أحبّكم إليّ أطوعكم لي و أشدّكم خوفاً منّي…
يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل:… أتتكم براءتي أم لديكم أمانٌ من عذابي أم تعرّضون لعقوبتي فبي حلفت لأتركنّكم مثلًا للغابرين… !
يا عيسى استغث بي في حالات الشّدّة فإنّي أغيث المكروبين و أجيب المضطرّين و أنا أرحم الرّاحمين.»[note]1- جنة الکافي (ترجمة روضة الکافي)، الصفحة 172 (المرجع الأصلي: الکافي، المجلد 8، کتاب الروضة، الصفحة 131)1- جنة الکافي (ترجمة روضة الکافي)، الصفحة 172 (المرجع الأصلي: الکافي، المجلد 8، کتاب الروضة، الصفحة 131)[/note]
قام عيسى بن مريم (عليه السلام) بنصيحة أتباعه أيضاً على هذا النحو و حذّرهم مراراً من الاقتراب من محرمات الله. و في أحد مواعظه يخاطب حواريه قائلاً: «إنّ موسى نبيّ اللّه (علیه السلام) أمركم [أن لا تذنبوا] و أنا آمركم أن لا تحدّثوا أنفسكم [بالذنب] فضلًا عن أن تزنوا فإنّ من حدّث نفسه بالذّنوب كان كمن أوقد في بيتٍ مزوّقٍ فأفسد التّزاويق الدّخان و إن لم يحترق البيت.»[note]2- الکافي، المجلد 5، الصفحة 542[/note] إن هذا البيان الحكيم باعثٌ من اهتمام النبي عيسى (عليه السلام) بتربية أمة تقية و صالحة.
إن مثل هذه الإنذارات الأخلاقية و التوصيات الجدية مع رعاية للتقوى المتواجد في تعاليم كافة الأنبياء الإلهية، يبين انه لا يكفي الحديث عن البشارة و الأمل لرقي البشر فحسب، و في الحقيقة فإنه في ظل هذا العطاء الإلهي و الصلاح الذي يرتقي فيه الإنسان في المراتب الإنسانية؛ و هكذا کانت والدة عيسى مريم العذراء (عليها السلام) أفضل نساء عصره فی التقوی و کذلک جعلها الله حجة واضحة و قدوة صالحة فی کل الأزمنة و الدهور. يقول الإمام الصادق (عليه السلام): “تؤتى بالمرأة الحسناء يوم القيامة الّتي قد افتتنت في حسنها. فتقول: يا ربّ! حسّنت خلقي حتّى لقيت ما لقيت. فيجاء بمريم (عليها السلام) أنت أحسن أو هذه قد حسّنّاها فلم تفتتن.”[note]3- جنة الکافي (ترجمة روضة الکافي)، الصفحة 272 (المرجع الأصلي: الکافي، المجلد 8، کتاب الروضة، الصفحة 228)
[/note]
(مأخوذ من كتاب الكافي “کافي”، التألیف الشیخ الکلیني؛ مع الإضافات)
يبارك و يهنئ موقع الرشد أصدقائنا الأعزاء
بمناسبة ذكرى ولادة النبي التقي و العبد الصالح
النبي عیسی بن مریم (علیهما السلام).
الهوامش: