لا يستريب اي ذي رأي و عقل وافر في ان شرف الشي ء بشرف غايته، فعليه ان اول ما تكسبه الغايات اهمية كبرى من مواضيع التاريخ هو ما اسس عليه دين، او جرت به نحلة، واعتلت عليه دعائم مذهب، فدانت به امم، وقامت به دول، وجرى به ذكر مع الابد، ولذلك تجد ائمة التاريخ يتهالكون في ضبط مبادئ الاديان وتعاليمها، وتقييد ما يتبعها من دعايات، وحروب، وحكومات، و ولايات، التي عليها نسلت الحقب والاعوام، ومضت القرون الخالية ” سنة اللّه في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة اللّه تبديلا” [note]1-سورة الأحزاب ، الآية 62 [/note]، واذا اهمل المؤرخ شيئا من ذلك فقد اوجد في صحيفته فراغا لا تسده اية مهمة، وجاء فيها بامر خداج [note] 2-الخداج : النقصان في كل شيء، واصل ذلك من خداج الناقة اذا ولدت ولدا ناقص الخلق[/note]، بتر اوله، ولا يعلم مبدؤه، وعسى ان يوجب ذلك جهلا للقارئ في مصير الامر و منتهاه.
ان واقعة غدير خم هي من اهم تلك القضايا، لما ابتنى عليها وعلى كثير من الحجج الدامغة مذهب المقتصين اثر آل الرسول ( صلوات اللّه عليه وعليهم ) وهم معدودون بالملايين، وفيهم العلم والسؤدد، والحكماء، والعلماء، والاماثل، ونوابغ في علوم الاوائل والاواخر، والملوك، والساسة، والامراء، والقادة، و الادب الجم، والفضل الكثار، وكتب قيمة في كل فن، فان يكن المؤرخ منهم فمن واجبه ان يفيض على امته نبا بدء دعوته، وان يكن من غيرهم فلا يعدوه ان يذكرها بسيطة عندما يسرد تاريخ امة كبيرة كهذه، اويشفعها بما يرتئيه حول القضية من غميزة في الدلالة، ان كان مزيج نفسه النزول على حكم العاطفة، وما هنالك من نعرات طائفته، على حين انه لا يتسنى له غمز في سندها، فان ما ناء به نبي الاسلام يوم الغدير من الدعوة الى مفاد حديثه لم يختلف فيه اثنان، وان اختلفوا في مؤد اه، لاغراض وشوائب غيرخافية على النابه البصير.
فذكرها من ائمة المؤرخين: البلاذري : في انساب الاشراف، و ابن قتيبة في المعارف والامامة والسياسة، و الطبري : في كتاب مفرد، و الخطيب البغدادي : في تاريخه، و ابن عبدالبر في الاستيعاب، و الشهرستاني : في الملل والنحل، و ابن عساكر في تاريخه، و ابن الاثير : في اسد الغابة، و ابن خلكان : في تاريخه، و ابن كثير الشامي : في البداية والنهاية، و ابن خلدون : في مقدمة تاريخه، و شمس الدين الذهبي في تذكرة الحفاظ، وابن حجر العسقلاني : في الاصابة وتهذيب التهذيب، وجلال الدين السيوطي في غير واحد من كتبه، وغيرهم.
وهذا الشان في علم التاريخ لا يقل عنه الشان في فن الحديث، فان المحدث الى اي شطر ولى وجهه من فضاء فنه الواسع، يجد عنده صحاحا ومسانيد تثبت هذه الماثرة لولي امر الدين(عليه السلام)، ولم يزل الخلف يتلقاه [note]3-ذكر الضمير في «يتلقاه» بلحاظ ان الماثرة كانت بواسطة الخبر والحديث المتناقل. [/note] من سلفه حتى ينتهي الدور الى جيل الصحابة الوعاة للخبر، ويجد لها مع تعاقب الطبقات بلجا و نورا يذهب بالابصار، فان اغفل المحدث ما هذا شانه، فقد بخس للامة حقا، وحرمها عن الكثير الطيب مما اسدى اليها نبيها نبي الرحمة ( صلي الله عليه و آله و سلم ) من بره الواسع، وهدايته لها الى الطريقة المثلى.
فذكرها من ائمة الحديث: امام الشافعية ابو عبداللّه محمد بن ادريس الشافعي : كما في نهاية ابن الاثير، وامام الحنابلة احمد بن حنبل : في مسنده ومناقبه، و ابن ماجة : في سننه، و الترمذي : في صحيحه، و النسائي : في الخصائص، و الحاكم : في المستدرك، و الهيثمي : في مجمع الزوائد، و الذهبي : في التلخيص، و المتقي الهندي : في كنز العمال، وغيرهم.
كما ان المفسر نصب عينيه اي [note] 4-كقوله تعالى: ” اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا” (سورة المائدة ، الآية 3 ) وقوله تعالي: ” يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك” (سورة المائدة ، الآية 67) . وقوله تعالي: ” سال سائل بعذاب واقع ” (سورة المعارج ، الآية: 1)[/note] من القرآن الكريم نازلة في هذه المسالة يرى من واجبه الافاضة بما جاء في نزولها وتفسيرها، ولا يرضى لنفسه ان يكون عمله مبتورا، وسعيه مخدجا، فذكرها من ائمة التفسير:
الطبري : في تفسيره، و الثعلبي : في تفسيره، و القرطبي : في تفسيره، و الفخر الرازي : في تفسيره الكبير، و ابن كثير الشامي : في تفسيره، و النيسابوري : في تفسيره، وجلال الدين السيوطي في تفسيره، و الآلوسي البغدادي : في تفسيره، وغيرهم.
والمتكلم حين يقيم البراهين في كل مسالة من مسائل علم الكلام، اذا انتهى به السير الى مسالة الامامة، فلا منتدح له من التعرض لحديث الغدير حجة على المدعى او نقلا لحجة الخصم، وان اردفه بالمناقشة في الحساب عند الدلالة، كالقاضي ابي بكر الباقلاني البصري : في التمهيد، والقاضي عبدالرحمن الايجي الشافعي : في المواقف، والسيد الشريف الجرجاني : في شرح المواقف، و التفتازاني : في شرح المقاصد، و القوشجي المولى علاء الدين : في شرح التجريد. وجلال الدين السيوطي في اربعينه، و الآلوسي البغدادي : في نثر اللالي، وغيرهم.
واللغوي لا يجد منتدحا من الايعاز الى حديث الغدير عند افاضة القول في معنى “المولى” او “الخم” او “الغدير” او “الولي”، كابن دريد محمد بن الحسن المتوفى في جمهرته، و ابن الاثير في النهاية ، و الحموي في معجم البلدان في “خم”، و الزبيدي الحنفي في تاج العروس و غيرهم .
« مأخوذ من كتاب “الغدير في الكتاب و السنة و الأدب “، تأليف :”العلامة الأميني (ره)” ( مع قليل التصرف)»
يبارك ويهنئ موقع الرشد مسلمي العالم و بخصوص الأحبة زوار الموقع،
بعید غدیر خم
عید إکمال الدين، والذكرى السنوية لإتمام النعمة و إعلان الوصية
أمیر المؤمنین ، الإمام علي بن أبي طالب ( علیه السلام )
بهذه المناسبة ندعوكم لإستماع جزء من خطبة الغدير ، الرجاء الضغط هنا
………………………………………………………………………………………………………………………………
الحاشية :