عندما يكون هدف الإنسان معيناً و متعالياً و ذو جاذبية يزداد شوقه و سيسعى للوصول إلى هدفه، و لن يمنعه أشد المشاكل أو يردعه الضربات القاسية. فيسعى ذلك الشخص بعزيمة قوية باتجاه المتاعب و المصاعب. و على العكس فإن الإنسان الضعيف الإيمان و اليقين لن يكون له هدفٌ واضح للوصول اليه، و بذلك سوف يجلب الأعذار دوماً و لن يری هدفه بوضوح و سيكون هناك دوماً سدّاً يمنعه الوصول إلى أي هدف …
في يوم عاشوراء عندما دخل الإمام الحسين (عليه السلام) الميدان رأى جثامين أصحابه المقتولين؛ و مع ذلك لم تقل عزيمته برحيل أبنائه و إخوته عنه، و لا بمشاهدة جثامين أصحابه المستشهدين الذي لم يستطع إخراجها عن الميدان. حتى في مثل تلك الظروف كانت روحيته عالية و كان يقاتل بعشقٍ و وجهه ملء بالشوق.
يروي أحد الحاضرين الذين شاهدوا الحسين بن علي (عليهما السلام) في واقعة كربلاء وحيداً في آخر الساعات من حياته الشريف بعد إستشهاد أصحابه و أولاده بتعجب و دهشة و هو في كامل قواه الروحية و يقول: “فو الله ما رأیت مکثورا قط قد قتل ولده و أهل بیته و أصحابه أربط جاشا منه و إن کانت الرجال لتشدّ علیه فیشد علیها بسیفه فینکشف عنه إنکشاف المعزى إذا شدّ فیه الذئب … ثم یرجع إلى مرکزه و هو یقول: «لا حول و لا قوة إلا بالله»”(1)
… إن وحدة الحسين (عليه السلام) بين كثرة الأعداء لأمر حساس. فهو في بطن جيش العدو و في كل لحظة يبارز سيفه العديد من سيوف الأعداء. تدفقت السهام من كل مكان نحو الحسين (عليه السلام)، و وقع سهم على جبهة بطل كربلاء. نزع الإمام السهم بيده فتدفّقت الدماء بغزارة من جبينه و جرت على وجهه كالسيل و هو ما زال متشوق للشهادة.
عند ذلك لم يستطع الإمام أن يرى الأعداء بوضوح بعينه المملوئة بالدم ، فأراد أن يمسح الدم من عينه و وجهه بطرف ردائه، حينها وقع سهم على صدره الشريف و اخترق قلبه و مزّق ذلك القلب الحنون المملوء بالمودة و الإيمان و منبع الحماسة و العزة و الشرافة.
هجم عليه من كان حوله و ضربوه بكل ما كانت بأيديهم من أسلحة مختلفة، فانهمكت قواه و سقط على أرض الطف. انغرق أرض كربلاء بدماء الحسين (عليه السلام) و بينما يمضي آخر اللحظات يقول الإمام (عليه السلام): “صبراً على قضائك یا رب! لا إله سواك یا غیاث المستغیثین.” (2) كانت جاذبية وجه الإمام (عليه السلام) ملموساً بعشق الإلهي. كان هلال بن نافع واقفاً عند عمر بن سعد عندما جاءوا به بخبر سقوط الإمام (عليه السلام) على الأرض فتقدّم عند رأسه و عندما رأى ذلك المنظر عبّر عنه قائلاً: «فو الله ما رأیت قط قتیلا مضمخا بدمه أحسن منه و لا أنور وجها و لقد شغلني نور وجهه و جمال هیئته عن الفکرة فی قتله»(3)
يلتفت الإمام الحسين (عليه السلام) نحو السماء بعينه المملوئة بالدم و يناجي ربه بكلمات. و بعد عدة لحظات … ينطفأ ذلك النور، و تتوقّف دقات قلبه المبارك. ثم يبدأ كل شيء من جديد، إنه يوم ولادته، فالحسين (عليه السلام) لم يمت أبداً. فالشهادة هي الولادة الحمراء. لم ينتهي أي شيء في كربلاء، بل كان ذلك نهاية لبداية جديدة …
(مأخوذ من کتاب “الدم الإلهي، مقاطع من عاشوراء لسنة 61 هجرية”، التألیف: حجة الإسلام جواد المحدثي)
يعزي موقع الرشد تمام مسلمي العالم
و بخصوص أصدقاء الموقع الأعزاء ،
بمناسبة العاشوراء الحسيني ، ذكرى شهادة
سيد الأحرار و سيد الشهداء ،
الإمام الحسین بن علي (علیه السلام)
و أصحابه الأوفياء.
الهوامش:
1- أعلام الورى، الصفحة 243- أعیان الشیعة، المجلد 1، الصفحة 609- تاریخ الطبري، المجلد 4، الصفحة 345.
2- “صبراً على قضائك یا رب! لا إله سواك یا غیاث المستغیثین …” (مقتل الحسین مقرم، الصفحة 283)
3- المجالس السنیة، سید محسن الأمین، المجلد 1، الصفحة 123