“المذهب الجعفري “

کانت الظروف في مدينة النبي (صلی‌الله‌عليه‌وآله‌وسلّم) خاصة و مميزة في زمن إمامة جعفر بن محمد (عليهما السلام). المجزرة التي جرت علی أيدي جنود مسلم بن عقبة أسفرت عن نوع من اليأس و القنوط في الناس إلی حدّ رغب بعض من ضعفاء الإيمان إلی الغناء قاصدين التغيير في أحوالهم النفسية و تنشيط نفوسهم المهمومة. بالتالي أصبحت مدينة مرکز للمغنّيين خلال سنة 65 حتی 80 بعد الهجرة. لکن علی مرّ الزمن أزيلت هذه الأجواء و الناس لثاني مرة أقبلوا علی الأمور الدينية و ترأّس المحدثون و العلماء علی المجتمع.

و من جهة أخرى، إن ضعف و انهدام الحكومة المروانية أدّى إلى حُـرّية في مجال السياسة و تشکيل النهضات الدينية و تأليف الفرق ضد الحكومة، و کذلک أدت الظروف إلى حرية في مجال الدراسات العلمية في مختلف الجوانب و في أرجاء المملکة المروانية. بهذا السبب نشاهد شيئاً من السهولة و الفرج في زمن الإمام الباقر (علیه السلام) و كان زمن الإمام الصادق (عليه السلام) (سنة 148-144) عصر نشر فقه آل محمد (عليهم السلام) أو ببيان آخر، زمن تعليم و تدريس الفقه الجعفري. إنّ هذه التغييرات التي حدثت في العشرة الثالثة من قرن الثانیة جعل الناس يقبلوا علی الإمام الصادق (عليه السلام) و يسألونه عن مسائلهم الفقهية و غير الفقهية أکثر من قبل.

لذا كما يذكر صاحب كتاب كشف الغمة، لم ینقل العلماء عن أحد من أهل بیته ما نقل عن جعفر بن محمد (علیهما السلام) و لا لقی أحد منهم من أهل الآثار و نقلة الأخبار و لا نقلوا عنهم ما نقلوا عن أبی عبد الله (عليه السلام) فإن أصحاب الحدیث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء و المقالات فکانوا أربعة آلاف رجل و کان له (علیه السلام) من الدلائل الواضحة في إمامته ما بهرت العقول و أخرست المخالف عن الطعن فيها بالشبهات.(1)

على هذا الأساس،فقد ظهرت مکانته العلمیة حتی عند کبار علماء أهل السنة.

يحدث إبن الحجر عن الإمام (عليه السلام): “نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الرکبان و انتشر صیته في جمیع البلدان و روی عنه الأئمه الأکابر کیحیى بن سعید و ابن جریح و مالک، السفيانین و أبی حنیفه و شعبه و أیوب السختیانى”(2)

يقول مالك بن أنس، الذي يُعتبر من أحد أربعة أئمة مذاهب أهل السنة، عن الإمام الصادق (علیه السلام): ” ما رأت عینی أفضل من جعفر بن محمد فضلاً و علماً و ورعاً”(3)

أبو حنیفة، و هو فردٌ آخر من الأربعة أئمة أهل السنة، و يعدّ نفسه من كبار الفقهاء، و لكن كان الإمام الصادق (علیه السلام) عنده حرمة خاصة. لذا يقول الذهبي عن قول أبو حنیفة: ” ما رأیت افقه من جعفر بن محمد “(4) و أيضاً، عن إبن شهر الآشوب قال: قال الحسن بن زیاد سمعت أبا حنیفة و قد سئل من أفقه من رأیت قال جعفر بن محمد لما أقدمه المنصور بعث إلی فقال یا أبا حنیفة إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهیّئ له من مسائلک الشداد فهیّأت له أربعین مسألة ثم بعث إلی أبو جعفر و هو بالحیرة فأتیته فدخلت علیه و جعفر جالس عن یمینه فلما بصرت به دخلنی من الهیبة لجعفر ما لم یدخلنی لأبی جعفر فسلّمت علیه فأومأ إلیّ فجلست ثم التفت إلیه فقال یا أبا عبد الله هذا أبو حنیفة قال نعم أعرفه ثم التفت إلی فقال یا أبا حنیفة ألق على أبی عبد الله من مسائلک فجعلت ألقی علیه فيجیبنی فيقول أنتم تقولون کذا و أهل المدینة یقولون کذا و نحن نقول کذا فربما تابعناکم و ربما تابعناهم و ربما خالفنا جمیعاً حتى أتیت على الأربعین مسألة فما أخل منها بشی‏ء ثم قال أبو حنیفة ألیس إن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس”(5)

 علی کل، من يقوم بدراسة أخبار فقه الشيعة یواجه مجموعة ضخمة من الروایات التی نقلت من الإمام الصادق (علیه السلام) حول المسائل الفقهية أو الکلامیة المختلفة، و بهذا السبب سُمّي المذهب الشيعي بالمذهب الجعفري.

 (مأخوذ من الکتاب “حياة الإمام الصادق (علیه السلام)”، بقلم المرحوم الدکتور السید جعفر الشهیدي (مع بعض التصرف))

25 شوال ، يعزي موقع الرشد مسلمي العالم و خاصتاً أصدقاء الموقع الأعزاء،

بذكرى السنوية لإستشهاد

جامع العلوم الإلهية و رئيس المذهب،

الإمام جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام).

—————————————————————————————————-

الهوامش:

1- کشف الغمة، المجلد 2، الصفحة 166

2-الصواعق المحرقة، الصفحة 201

3- مناقب ابن شهر الآشوب، المجلد 4، الصفحة 275

4- تذکرة الحفاظ، المجلد 1، الصفحة 166(في ترجمة الامام علیه السلام)

5- مناقب ابن شهر الآشوب، المجلد 4، الصفحة 255