” يا ايها الذين آمنوا کتب عليکم الصيام کما کتب علی الذين من قبلکم لعلکم تـتـقون”
( سورة البقرة، الآية 183 )
” . . . التورات و الإنجيل يمدحان الصوم و يعظمان أمره ، و اليهود و النصاری يصومون أياماً معدودة فی السنة إلی اليوم بأشکال مختلفة: کالصوم عن اللحم و الصوم عن اللبن و الصوم عن الأکل و الشرب و فی القرآن قصة صوم زکريا عن الکلام و کذا صوم مريم عن الکلام .
بل الصوم عبادة مأثورة عن غير المللين کما ينقل عن مصر القديم و يونان القديم و الرومانيين . الوثنيون من الهند يصومون حتی اليوم ؛ بل کونه عبادة قربية مما يهتدی إليه الإنسان بفطرته .
کان أهل الأوثان يصومون لإرضاء آلهتهم أو لإطفاء نائرة غضبها؛ إذا أجرموا جرما أو عصوا معصية و إذا أرادوا إنجاح حاجة و هذا يجعل الصيام مبادلة و معاملة يعطی بها حاجة الرب ليقضی حاجة العبد أو يستحصل رضاه ليستحصل رضی العبد .
إن الله سبحانه أمنع جانباً من أن يتصور فی حقه فقرا أو حاجة أو تأثر أو أذی و بالجملة هو سبحانه بری من کل نقص و ما تأتيه العبادات من الأثر الجميل – أی عبادة کانت و أی أثر کان – إنما يرجع الی العبد دون الرب تعالی و تقدس ، کما أن المعاصی ايضاً کذلك . قال الله تعالی : ” إن أحسنتم ، أحسنتم لأنفسکم و إن أسأتم فلها ” ( سورة الأسراء ، الآية 7 ) . هذا هو الذی يشير اليه القرآن الکريم فی تعليمه بإرجاع آثار الطاعات و المعاصی إلی الإنسان الذی لا شأن له إلا الفقر و الحاجة . قال الله تعالی : ” يا أيها الناس أنتم الفقراء الی الله و الله هو الغنی ” ( سورة الفاطر ، الآية 15 ) و يشير اليه فی خصوص الصيام بقوله ” لعلکم تتقون ” .
کون التقوی مرجو الحصول بالصيام مما لا ريب فيه ؛ فإن کل إنسان يشعر بفطرته إن من أراد الإتصال بعالم الطهارة و الفطرة و الإرتقاء إلی درجة الکمال و الروحانية فأول ما يلزمه أن يتنزه عن الإسترسال فی إستيفاء لذائذ الجسم و ينقبض عن الجماح فی شهوات البدن و يتقدس عن الإخلاد الی الأرض و بالجملة أن يتقی ما يبعده الإشتغال به عن الرب تبارك و تعالی ، فهذه التقوی إنما تحصل بالصوم و الکف عن الشهوات و أقرب من ذلك و أمس لحال عموم الناس من أهل الدنيا و أهل الآخرة أن يتقی ما يعم به البلوی من المشتهيات المباحة من الأکل و الشرب و المباشرة حتی يحصل له التدرب علی إتقاء المحرمات و إجتنابها و تتربی علی ذلك إرادته فی الکف عن المعاصی و التقرب إلی الله سبحانه ، فإن من أجاب داعی الله فی المشتهيات المباحة و سمع و أطاع ، فهو فی محارم الله و معاصيه أسمع و أطوع . . . “
(منقول من تفسير الميزان ، ذيل آية 183 سورة البقرة )
موقع الرشد، يبارك و يهنئكم بحلول شهر رمضان المبارك، شهر ضيافة الله ودورة نمو حياة المعنوی الإنسان وربيع التلاوة والتدبر فی القرآن.