كانت بضعة النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) على مرّ عمرها القصير من بعد وفاة أبيها تسعى جاهدة علی مواجهة الحكومة آنذاك و مقابلة أعمالهم المعادية بشتى الأساليب الممكنة و المتاحة لها. إذا أمكن لها أن تصيح لفضحهم فكانت تفعل و إذا أمكن لها أن تخطب عليهم فكانت تفعل ذلك أيضاً. فكانت يوماً تعلن البراءة منهم و يوماً آخر تتجنب ملاقاة الخلفاء ، و في نهاية المطاف قد أوصت بأن لا يحضروا في تشييع جثمانها و أن لا يصلّوا عليها. لقد كانت وصيتها ببقاء محل دفنها سراً علامة غير زائلة منحوتة على جباههم بعدم مشروعية حكومتهم.
لقد حانت الساعات الأخيرة من عمر بضعة النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) و قد أرسلت أمّ أيمن لأمير المؤمنين (علیه السلام) . عندما حضر (علیه السلام)، جلس بجنب فاطمة (علیها السلام) ، فقالت له فاطمة (علیها السلام) : “يا بن عمّ ، إنّه قد نُعيت إليَّ نفسي ، وإنّني لا أرى ما بي إلاّ أنّني لاحقة بأبيساعة بعد ساعة ، وأنا أُوصيك بأشياء في قلبي.”
فقال أمير المؤمنين (علیه السلام): “أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله.” فجلس عند رأسها ، وأخرج من كان في البيت ، فقالت (عليها السلام) : “يا بن عمّ ،ما عهدتني كاذبة ، ولا خائنة ، ولا خالفتك منذ عاشرتني؟”
فقال الإمام علي (علیه السلام): “معاذ الله أنتِ أعلم بالله ، وأبرّ وأتقى وأكرم ، وأشدّ خوفاً من الله من أنأُوبّخكِ بمخالفتي!” ثم أضاف قائلاً: “وقد عزّ عليَّ مفارقتكِ وفقدكِ إلاّ أنّه أمر لابد منه ، والله لقد جدّدتِ عليَّمصيبة رسول الله(صلى الله عليه و آله و سلم) ، وقد عظمت وفاتك وفقدك ، فإنّا لله و إنّاإليه راجعون من مصيبة ما أفجعها ، وآلمها وأمضّها وأحزنها !! هذه مصيبة لا عزاءمنها ، ورزية لا خلف لها.”
ثمّ بكيا معاً ساعة ، وأخذ الإمام (عليهالسلام) رأسها و ضمّها إلى صدره ، ثمّ قال : “أوصيني بما شئت ، فإنّكِ تجدينيوفياً أمضي كلّما أمرتني به ، وأختار أمركِ على أمري.”
حينها أكملت بضعة النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله و سلم) فقالت: “جزاكَ الله عنّي خير الجزاء.” ثم أوصت (عليها السلام) بوصايا و أمرت بأمور بشأن تشييعها و تجهيز تابوتها. ثم قالت (عليها السلام):
“أُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني ، فإنّهم عدوّي وعدوّ رسولالله(صلى الله عليه و آله و سلم) ، ولا تترك أن يصلّي عليَّ أحد منهم ولا من أتباعهم!” و ثم أضافت: “وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار.”(1) و (2)
نعم، لقد كانت هذه الوصية آخر حلقة من حلقات المکافحة بضعة النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله و سلم) ضد الظالمين. لقد صدر مثل هذه الوصية من لسانها و قلمها بطرقٍ و صورٍ مختلفة و في مواقع مختلفة ، و في کل هذه الوصايا کان نقطته الرئيسية هو مواجهة حکومة الخلفاء، و لقد كانت هذه الوصية آخر سهم رمتها فاطمة بقت لفاطمة (عليها السلام) التي رمتها اخيرا! إن فرق هذه الحلقة من حلقات المکافحة السابقة هو أن آثارها باقية إلى الأبد و بقت وسمة عار ٍ على جبين تاريخ تلك الأيام.
(مأخوذ من مقال “التدفين”، بقلم حجة الإسلام و المسلمين محمد علي الجاودان)
بمناسبة قدوم 3 جمادي الثاني ،
يعزي موقع الرشد جمیع طالبي الحق في العالم
بمناسبة ذكرى إستشهاد سيدة نساء العالمين ، بضعة النبي الخاتم (صلى الله عليه و آله و سلم)، و الحوراء الإنسية
فاطمة الزهراء (علیها السلام).
الهوامش:
1. عللالشرایع، المجلد 1، الصفحة 188و 187- روضة الواعظین، الصفحة 151 ، و يمكنكم مراجعة: الامالي للمفید، الصفحة 281 – الامالي للطوسي، الصفحة 109 – مناقب آل أبي طالب، المجلد 3، الصفحة 363- کتاب السلیم، المجلد 2، الصفحة 870- کامل البهائي، الصفحة 313
2. إن الطبری، (امام مؤرخی مکتب الخلافة)، ینقل: «فهجرت فاطمة أبا بکر فلم تکلمه فی ذلک حتی ماتت فدفنها علی و لم یؤذن بها أبابکر (تاریخ الطبری، المجلد 3، الصفحة 208، طبع ابوالفضل ابراهیم- انسابالاشراف، المجلد 1، الصفحة 405، طبع محمد حمید الله)
و ایضا نقل البخاری، (امام محدثی مکتب الخلافة): « أن فاطمة بنت النبی ارسلت إلی أبی بکر تسأله میراثها … فأبی أبوبکر أن یدفع إلی فاطمة منها شیئا فوجدت فاطمة علی أبی بکر فی ذلک فهجرته فلم تکلمه حتی توفیت … فلما توفیت دفنها زوجها علی لیلا و لم یؤذن بها أبی بکر و صلی علیها…»( صحیح البخاری، المجلد 4، الصفحة 79 و المجلد 5، الصفحة 139- صحیح المسلم، المجلد 3، الصفحة 1380، الحدیث 1759، طبع محمد فؤاد عبدالباقی) هذا فی الحقیقة ثبت التأریخ العمل بوصیة بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)