و قال “أبو الحسن الرفاء” (1) من مشاهير الشعراء “لابن رامين” (2) الفقيه الشافعي:
– لما خرج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) (لغزوة تبوك) من المدينة ما استخلف عليها أحدا؟
– ابن رامین: بلى استخلف عليا.
– رفاء: و كيف لم يقل لأهل المدينة اختاروا فإنكم لا تجتمعون على الضلال؟
– ابن رامین: خاف عليهم الخلف و الفتنة.
– رفاء: فلو وقع بينهم فساد لأصلحه عند عودته.
– ابن رامین: هذا أوثق. . ولكن ما قام به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بتعيين خليفة له في غيابه، كان أكثر ثباتاً و أنسب عملاً و أكثر منطقاً.
– رفاء: أ فاستخلف أحدا بعد موته؟
– ابن رامین: لا.
رفاء:فموته (صلی الله علیه و آله و سلم) أعظم من سفره؟ فكيف أمن على الأمة بعد موته ما خافه في سفره و هو حي عليهم؟
فقطعه. لم يستطع ابن رامين الرد على الحديث المنطقي لأبی الحسن الرفاء و ألزم الصمت. (4)
لقد عرّف رسول الله (صلى الله عليه و اله و سلم) من بداية دعوته الى زمان رحلته وصيه للأمة بأمرٍ من الله و بطرق مختلفة، و لقد كان بتعيينه خصائص القيادة و معاييرها و بيان كفاءة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لهذا الأمر المهم، اتاح المجال لاستمرار نهضته. إن صفحات التاريخ شاهدٌ حي لهذه الدعایات، و إن الأسانيد التاريخية الموجودة لهي أدلة بالغة و متينة لهذه الحقيقة المبينة.(5(
لقد كان موضوع خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) و وصايته واضحٌ و جلي للجميع لدرجة أنه عندما أخبر رسول الله(صلى الله عليه و آله وسلم) المسلمين بقرب رحلته، فقد سألوه عن جميع الأمور التي يجب أن يؤدونه من بعد رحلته، ما عدا عن خليفته حيث كان واضح لديهم بكل يقين و لم يكن هناك أي داعي للسؤال. و لقد سألوا النبي (صلى الله عليه و آله وسلم) عن غسله و كفنه و من الذي يجب أن يصلي عليه و أين يجب أن يُدفن و مسائل أخرى (6)، و لكن لم يسأله أحد: من هو قائد الأمة من بعدك؟ و هل يوجد أمر آخر سوى ان موضوع الخلافة كان واضحٌ جداً و جلي و قد بيّن النبي (صلى الله عليه و آله وسلم) للجميع مراراً و كراراً من هو خليفته من بعده؟!
في الحقيقة فالسبب لعدم سؤال أي أحد لهذا الموضوع لأنهم كانوا على علمٍ إنه في يوم الغدير أتمّ رسول الله(صلى الله عليه و آله وسلم) الحجة و أخذ البيعة للإمام علي (عليه السلام) من الجميع. (7)
يوجد العديد من المدارك و الكتب و الآثار القيّمة ككتاب الغدير بحيث قد تم التأكيد مئات المرات بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقصّر أبداً في التعريف عن خليفته، و قد قام بجميع الشئون اللازمة من أجل تثبيت إمامة أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام)، و قالت سيدة نساء العالمين الصديقة الكبرى (عليها السلام) “و هل ترك أبي يوم غدير خم لأحد عذراً” (8)، وذلك لكي یرجعوا الی الإمام الحق و كي يهتدوا الصراط المستقيم بالإقتداء به، و حاشا لله أن يكون هناك أي تقصير من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمرٍ خطير كهذا الأمر، إنما التقصير كان من المسلمين الذين خُدعوا بمكر الشيطان كقوم موسى (عليه السلام) عندما خذلوا نبيهم بعد الإبرام و ضلّوا طريقهم بمكر السامري و تعلقوا بالدنيا و تركوا عترة نبيهم.
نعم! فلقد حلّت المصائب و البلاء على الأمة الإسلامية منذ ذلك اليوم بسبب نسيهم و خذلانهم للرسول الرحمة(صلى الله عليه و آله وسلم) و رسالته، لعلّه يرجع المسلمون يوماً الى رشدهم و يتّبعوا الصراط المستقيم.
«مأخوذ من کتاب: “الإمام؛ وحید العصر” تألیف: “الدكتور مرتضی الطاهري” (مع بعض التصرف و الإضافات)»
بمناسبة حلول 28 من شهر صفر،
يعزي موقع الرشد مسلمي العالم و بالأخص أصدقاء الموقع الأعزاء،
ذكرى رحيل النبي الرحمة و الناصح للأمة
خاتم النبیین و سید المرسلین،
محمّد بن عبدالله (صلی الله علیه و آله و سلم).
الهوامش:
1- “أبو الحسن الرفاء” (المتوفى حدود السنة 360 الهجري القمري في بغداد) من مشاهير شعراء الشيعة. و هو صاحب ديوان شعر. كان شاغلاً بالخياطة في أحد دكاكين الموصل، لذا كان يُلقّب “بالرفاء” (الخياط). (الکني و الألقاب، الشیخ عباس القمي)
2- عبدالوهاب بن محمد بن عمر بن محمد البغدادي الشافعي، المعروف “بابن رامین”، فقیه شافعي و متوفی 430 هجري قمري.
3- يشير هذا الموضوع الى غزوة تبوك. في شهر رجب من سنة التاسع الهجري، عزم الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله و سلم) الى الروم للمحاربة. و لقد خلّف الإمام علي (عليه السلام) قبل خروجه من المدينة بسبب حساسية الأوضاع فيها ليكون رقيباً على أمور المدينة و أوضاعها. (الإرشاد، المجلد 1، الصفحة 156 ؛ سیرة ابن هشام، المجلد 2، الصفحة 519)
و بالطبع إن سيرة النبي (صلى الله عليه و آله وسلم) في إخلاف شخص في حين خروجه من المدينة في تمام الغزوات محل مطالعة و بحث.
4- مناقب آل أبي طالب، المجلد 1، الصفحة 258
5- أمثلة على ذلك: واقعة یوم الإنذار (تاریخ الطبري، المجلد 2، الصفحة 320)، واقعة الغدیر (الغدیر، المجلد 1، الصفحة 14 تا 72)، واقعة المنزلة (صحیح مسلم المجلد 15، الصفحة 174)، واقعة الراية (تاریخ اليعقوبي، المجلد 2، الصفحة 56)، واقعة ملازمة الحق (مستدرك الحاکم، المجلد 3، الصفحة 124)، واقعة حدیث الثقلین (مسند أحمد، المجلد 3، الصفحة 14)، واقعة نص ملازمة القرآن (مستدرك الحاکم، المجلد 3، الصفحة 124)، واقعة نص السفينة (مستدرك الحاکم، المجلد 2، الصفحة 343)، واقعة نص خصف النعل (مسند أحمد، المجلد 3، الصفحة 33)، واقعة الأخوة (مستدرك الحاکم، المجلد ، الصفحة 14)، واقعة نص الاتحاد (شواهد التنزیل، المجلد 1، الصفحة 375)، واقعة نص إعلام البراءة (مسند أحمد، المجلد 1، الصفحة 331) و عشرات الشواهد التاريخية التي تمت الإشارة اليها من الكتب الشيعية و السنية، هو جزء من هذا الدعوى و لا يمكن شرحها كلها هنا.
6- تاریخ الطبري المجلد 1، الصفحة 1804 الى 1806؛ طرف من الأنباء و المناقب لسيد بن طاووس، الصفحة 545 و…
7- لمزيداً من المعلومات حول واقعة الغدير و أهميتها يمكنكم مراجعة المقالة تحت هذا العنوان في قسم العقائد من موقع الرشد أو لأجل مطالعة المقالة كاملة الرجاء الضغط على “هذا الرابط”.
8- قالت سيدة النساء فاطمة الزهراء (علیها السلام): “…و هل ترك أبي يوم غدير خم لأحد عذراً.” (الخصال، المجلد 1، الصفحة 173