ما هی فائده الاعتقاد بإمامٍ غائب غیر متواصل مع عموم الناس؟ وکیف ینتفع الناس بالحجه الغائب؟ هذه أسئله موجهه للشیعه بأشکال وصیاغات مختلفه.
لکننا سنبدأ بروایه عن الإمام الصادق (علیه السلام) أنه قال بعد أن سئل عن کیفیه انتفاع الناس بالحجه الغائب المستور: “کما ینتفعون بالشمس إذا سترها السحاب …”(1). فکما ینتفع الناس بالشمس و هی ظاهره و غیر محجوبه، فالشمس ذات فائده أیضاً و هی محجوبه خلف السحاب، کذلک الأمر حینما یظهر الإمام المهدی (علیه السلام) ینتفع الناس به و أیضاً ینتفع الناس به فی غیبته کانتفاع الناس بالشمس خلف السحاب. إن مثل غیبه الإمام المهدی (علیه السلام) کمثل الشمس خلف السحاب ینتفع الناس بنورها و هی غیر مرئیه.
و أما بخصوص مسأله منفعه وجود إمامٍ غائب، فإن أول نتیجه نتحصل علیها بالاعتقاد بوجود الإمام المهدی (علیه السلام) هی إدراک الشیعه بوجود واسطه حیه بین الناس بین الله عز وجل لکونه خلیفه الله فی أرضه.
إن أحدی الاعتقادات المشترکه بین الأدیان الإلهیه هی الإیمان بوجود واسطه بین الإنسان و ربه و بین الأرض و السماوات، و ینزّل الله برکاته و نعمه على الإنسان عن طریقه و علیه هدایه الناس و هُداهم. و لکن تعتقد جمیع الأدیان الإلهیه الموجوده بأن هذه الواسطه الحیه بین الأرض و السماء غیر موجوده فی زماننا هذا و هی منقطعه. على سبیل المثال، یعتقد الیهود بأن الواسطه بین السماء و الأرض قد انقطعت بعد وفاه النبی موسى (علیه السلام)، ویعتقد المسیحیون أن هذه الواسطه انقطعت بعد صلب النبی عیسى (علیه السلام) و انقضت حیاته الدنیویه قبل آلاف سنین، وأیضاً یعتقد المسلمون من أهل السنه و الجماعه بانقطاع وسیله ارتباط الانسان بین الأرض والسماء بعد وفاه النبی (صلی الله علیه و آله و سلم).
إن الشیعه الإثنى عشریه هم الوحیدون الذین یعتقدون بوجود هذه الواسطه بین السماء والأرض و هو الإمام المعصوم، فهو الإنسان الکامل و الرابط بین الناس و عالم الملکوت و المأمور بهدایه الناس، وهذه منفعه مهمه یحیط بها الشیعه.
علاوهً على ما تقدم، یعتقد الشیعه إن هذا الإمام و الخلیفه معین من قبل الله تعالى و یعیش بین الناس و هو بانتظار أمر الله لیقوم من غیبته. إن هذا الإمام مطّلع بأمور الناس بإذن الله وشاهدٌ على أعمالهم، و هذا هو الدافع المؤثر فی نهیهم عن الأعمال السیئه و القیام بالواجبات الدینیه و الاستعداد لإقامه دوله العدل فی العالم بأسره.
و فی ظل الاعتقاد بوجود إمامٍ حی منجی للبشریه من الظلم و الجور، فلدى الشیعه أیضاً أملٌ خاص بقدوم الانتصار الحتمی و الواقعی، وأن هذا الإمام الحی للشیعه هو ذاک الإمام الموعود الذی سیظهر لیملأ الأرض قسطاً وعدلاً لتمام البشریه بعدما ملئت ظلماً وجورا.
على الرغم من أن الاعتقاد بالمنجی و المصلح مشترک بین کل الأدیان، ولکن بناءا علی نظر الشیعه، أن هذا العصر الذهبی فی تناول ایدینا و و الرجاء بإتیانه احق و اجلی. وفی حقیقه الأمر، یعلم شیعه أهل البیت (علیهم السلام) أن الإمام هو حجه الله على الخلق و هو حی و على علمٍ بأحوال و أمور الناس و بالإمکان أن یظهر بإذن الله فی أیه لحظه و یقضی على الظالمین، لذا، فإن لهیب نور الأمل و الإیمان مشتعل دائماً فی قلوب هؤلاء، وهذا ما یضاعف من قدرتهم لمواجهه ضغوطات الظالمین و أهل الباطل لیکونوا على أتم الاستعداد لقیام دوله العدل الإلهی.
و بالطبع، لا یرى الشیعه فیض الإمام فی غیبته وهدایته للناس أقل قدراً من زمن الظهور، ولقد أحیوا الأمل فی القلوب بمستقبلٍ مشرق بالاعتقاد به.. لیس ذلک فحسب، إنما یستعدون باجتناب المعصیه والقیام بالوظائف الدینیه لإقامه دوله العدل الإلهی.
«مأخوذ من کتاب “الإمام المهدی (علیه السلام)، الحقیقه المشرقه”، تألیف: “حجه الإسلام مرتضی الترابی” (مع بعض التغییرات و الإضافات)»
بمناسبه حلول المنتصف من شعبان
یبارک موقع الرشد تمام المنتظرین لإقامه حکومه العدل الإلهی وبالأخص أصدقاء الموقع الأعزاء
بذکرى میلاد الإمام صاحب العصر و الزمان وحلقه الوصل بین الأرض و السماء
الحجه بن الحسن العسکری (علیه السلام)
الهامش:
1- “…قال سلیمان الأعمش فقلت للصّادق (علیه السلام): “فکیف ینتفع النّاس بالحجّه الغائب المستور؟” قال: “کما ینتفعون بالشّمس إِذا سترها السّحَاب” (کمال الدین و تمام النعمه، المجلد 1، الصفحه 207