في القرن الحادي و العشرين قد توصّل البشر إلی تطوّرات هائلة في مجال الصناعة و التقنية. ولکن هل استطاعت حصيلة علم البشريّ أن تحلّ محلّ علاقته مع العالم العليا؟ يا تری هل اليوم السبیل الأعظم بين الارض و السماء مفتوح أمام البشر ام مرّ علی انقطاعه زمن طويل؟ فقد اختلف المعتقدون بالله سبحانه و تعالی عن غيرهم في جواب هذا السؤال. فإذا كنتم أيضاً وراء الحصول على جواب فهيا معاً لكي نبحث عن الجواب.
فعند اليهود، انقطع ارتباط البشر بعالم المافوق بعد وفاة النبيّ موسى (عليه السلام) و بعد أن انتهی سلسلة أنبياء بني اسرائيل.
فإذا في اعتقاد اليهود، انّه بعد أن توفّي النبیّ موسى (عليه السلام) و كبار أنبياء بني إسرائيل فلا وحي يوحى و لا يوجد في العالم أي فرد ليكون خليفة الله في الأرض.
و خلافا لهذا، يقول المسيحيون ان هذا الفيض بقى حتى عصر حياة النبيّ عيسی (عليه السلام).(2) و هم قائلون ان ارتباط البشر بالملكوت بقي بعد وفاة النبیّ موسى (عليه السلام) و أوصيائه، و لكن انقطع هذا الارتباط بعدما صلبوا المسيح(علیه السلام) و انتهت فترة رسالة أوصیائه.
إنما المسلمون فهم على عقيدة ان هذا الفيض لا يزال بقى الى زمن حياة النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم). و لکن فی هذا المجال فقد يعتقد أهل السنة أن هذا الفيض المعنوي – الذي كان في ثوب النبوة و الإمامة – قد انقطع برحيل النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم). فإذاً يقول أهل السنة أن الارتباط بالملكوت الأعلى انقطع للأبد مع رحيل النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم).
والسؤال الذی يمکن أن يخطر ببالنا أن هل البشر بعد رحيل خاتم الأنبياء (صلى الله عليه و آله و سلم) أسوأ حالاً من الأقوام الماضین؟ هل يمتلك البشر في القرون الأخيرة كمالات أقل من الأقوام السابقين؟ فبالیقین إنّ فضائل البشر فی یومنا هذا و معه حاجته الأکثر بالإتصال بالملکوت لا یوجد فی بنی اسرائیل و قوم نوح و قوم هود. فلماذا اعطی الله سبحانه و تعالی هذا الفیض إلیهم و لم يؤته إلینا؟
في هذا الجانب یجد بعض أصحاب الآراء و فلاسفة العصر(3) أجوبة حول هذا السؤال الهامّ في منطق الشيعة، و لذا هم علی هذا الاعتقاد أن الشيعة لها جواب مناسب حول هذا السؤال و حسب.
في عقيدة الشيعة یوجد ایضا فی یومنا هذا انسان کامل تتصّل الأرض الی الملکوت عن طریقه نعم، قد ختمت النبوة و لذا أن العلاقة في عصرنا ليست عن طريق النبوة لکی تکون هناک تكاليف و دين جديد. و لكن الشيعة يروون ان رابطة الأرض و السماء باقية عن طریق الإمامة. في عقيدة الشيعة ان ارتباط الأرض بالملكوت الأعلى يكون بواسطة انسان كامل و يصل للبشر الفيض الإلهي عن طريق هذا الإنسان الكامل. فإذاً الیوم يعرّف الشيعة هذا الإنسان الكامل بالإمام المهدي (عليه السلام) و يعرّفونه خلیفة الله في الأرض. هو ذاك الذي ینادیه الشيعة في دعاء الندبة: أين السبب المتصل بين الأرض و السماء.(4)
نعم، الإمام المهدي (عج) هو فی یومنا هذا السبب المتصل بين الأرض و السماء و لا يفرّق الشيعة هذا الفيض الإلهي لوجود الإمام في غيبته عن ظهوره. و اليوم إن تأثير هذه الرابطة بين الأرض و السماء في القلوب و هدایته لعطاشی الهدایة ليست أقل من عصر ظهوره.
هذا هو جواب الشيعة و تدعه بجانب أجوبة سائر المکاتب الی میزان منطق العقلاء کی یزنوه و لکن بین تلک الأجوبة، هل قد وجدنا ضالّتنا و صاحبناه فی السبیل الأعظم بین الأرض و السماء.
(مأخوذ من مجلة الانتظار، الرقم 1، مقالة أصول الکلامیة للمهدویة، تألیف آیة الله السبحانی (مع التلخیص و التصرف))
يبارك و يهنئ موقع الرشد أحرار العالم و خصوصاً أصدقاء الموقع الأعزاء
بمناسبة ذكرى ميلاد أمان الأرض و إمام الزمان و السبب المتصل بين الأرض و السماء
الحجة بن الحسن العسکري(عج).
………………………………………………………………………………………………
الهوامش:
1- يوجد هناك مباحث مهمة حول هذا الموضوع. و لكن هذه الکتابة بسبب محدودیتها و فی حد سعتها فقد بحث حول كيفية الارتباط بين الأرض و الملكوت في عصرنا. فلذا إن ضرورة وجود هذه الرابطة و سائر المباحث المرتبطة تحت هذا العنوان فقد فرض مثبوتا و ترکت أجزائه الإستدلالیة الی مقامهم
2- المقصود من المسيحيين هم البروتستاند، حيث ان الكاتوليكيين يعتقدون ان المسيح هو الرب.
3- کمثال بروفسور هانری کربن
4- مقطع من دعاء الندبة: “این السبب المتصل بین الأرض و السماء”.