جابر بن عبد الله الأنصاري، أحد صحابي رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) الأوفياء، ابتلی في آخر عمره بضعف الهرم و العجز. كان وجهه مليئا بنور یشهد خلوص هذا الشیخ الصحابي.
لقد زاره الإمام الباقر (عليه السلام) في داره لعيادته و جلس بجواره و تكلّم برحمةٍ و لطف قائلاً:
“يا جابر! كيف حالك؟!”
فقال الجابر:
“أنا في حالة أحب فيها الشيخوخة علی الشباب و المرض علی الصحة و الموت علی الحياة.” (و کان قصده أنه صبورٌ و مقاومٌ علی كل الصعوبات و المشاكل.)
فقال الإمام الباقر (عليه السلام):
“أما أنا یا جابر فإن جعلني الله شيخا أحب الشیخوخة و إن جعلني شابا أحب الشيبوبة و إن أمرضني أحب المرض و إن شفاني أحب الشفاء و الصحة و إن أماتني أحب الموت و إن أبقاني أحب البقاء.”
فلما سمع جابر هذا الکلام، قبّل وجهه و قال : “صدق رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فإنه قال: ستدرک لي ولدا إسمه إسمي… یقرؤک السلام… ” (1)
صحيحٌ ان جابر في هذا السن المتقدّم محمّل بالتجارب و العلم، و قد واجه الصعوبات و المشاکل الكثيرة في طول عمره؛ و لكنه کان یتصوّر ان نهاية الإيمان تدرک بأن يكون المرض أحبّ عند المؤمن من السلامة و أيضاً أن تكون الكهولة و الموت أحب عنده من الحياة و الشيبوبة. لذا أراد أن يقول للإمام الباقر (عليه السلام) بأنني وصلت لدرجةٍ لا تستطيع الصعوبات و المشاکل أن تبعدني عن طريق الحق، بل إنني راغبٌ و أكثر اشتياقاً للمشقّات. و لكن بيّن الإمام الباقر (عليه السلام) لهذا الكهل الحنون مقام الرضا بالمقدرات الإلهية. فقد بيّن الإمام (عليه السلام) له ان يجب على الإنسان بعد السعي للقيام بأعماله أن يكون راضياً في جميع الظروف بالتقديرات التي قدّر الله له؛ سواء كانت تلك الحوادث موافقا لرضانا أم مخالا له.
«مأخوذ من کتاب “النظر في حياة الإمام الباقر (علیه السلام)”، التألیف “محمد المحمدي الإشتهاردي” (مع بعض الإضافات)»
بمناسبة حلول الثالث من صفر المظفر،
يبارك موقع الرشد مسلمي العالم و بالأخص أصدقاء الموقع الأعزاء،
ذكرى ولادة خامس نجم الإمامة الساطع و باقر علم رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم)
الإمام محمد بن علي الباقر (علیه السلام).
الهوامش:
1- أعیان الشيعة، المجلد 15، الصفحة 141 ؛ مجالس المؤمنین، الصفحة 117