قصد الحج؛ لکن ما کان بغيته تمتّع من هذه الرحلة الثمينة بل کان يريد أن يتفاخر بسلطته و قدرته حينما کان غافلاً عن واجبه الذي هو طواف حول حريم القدرة المطلقة. دخل المسجد الحرام و کان حرّاسه يفتحون الطريق أمامه و ما کان أحد يجرؤ أن يسبق هارون الرشيد (1)، الخليفة العباسية.

کان رجل في الطواف حول البيت و عند ذلک نفی أحد من حرّاسه الرجل إذن نادی الرجل بصوت يمکن لهارون سماعه: “إن الله ساوى بین الناس في هذا الموضع فقال: “سواء العاکف فیه و الباد” (2) “

إستأنف الرجل عمله من دون أن يدخل في قلبه أصغر خيفة. فکلما طاف الرشید طاف الأعرابي أمامه فنهض إلى الحجر الأسود لیقبّله فسبقه الأعرابي إلیه و التثمه ثم صار الرشید إلى المقام لیصلّي فیه فصلّى الأعرابي أمامه فلما فرغ الرشید من صلاته، استدعى الأعرابي. فقال الحاجب أجب الرشید. فقال: ما لی إلیه حاجة فأقوم إلیه؛ بل إن کانت الحاجة له فهو بالقیام إلیّ أولى. قال: صدق. فمشى إلیه و سلّم علیه فردّ علیه السلام. قال: ویحک یا أعرابی مثلک من یزاحم الملوک. قال: فإني سائلک فإن عجزت آذیتک. قال: سؤالک هذا سؤال متعلّم أو سؤال متعنّت؟ قال: بل متعلم. قال: إجلس مکان السائل من المسؤول و سل و أنت مسؤول.

فقال الرشید: أخبرنی ما فرضک؟

قال: إن الفرض رحمک الله واحد و خمسة و سبعة عشر و أربع و ثلاثون و أربع و تسعون و مائة و ثلاثة و خمسون على سبعة عشر و من إثنی عشر واحد و من أربعین واحد و من مائتین خمس و من الدهر کله واحد و واحد بواحد.

فضحک الرشید و قال: ویحک، أسألک عن فرضک و أنت تعد علیّ الحساب؟ قال: أ ما علمت أن الدین کله الحساب و لو لم یکن الدین حسابا لما إتخذ الله للخلائق حسابا، ثم قرأ: “و إن کان مثقال حبّة من خردل أتینا بها و کفى‏ بنا حاسبین”(3) …

ثم قال: أمّا قولي الفرض واحد فدین الإسلام کله واحد و علیه خمس صلوات و هی سبع عشرة رکعة و أربع و ثلاثون سجدة و أربع و تسعون تکبیرة و مائة و ثلاث و خمسون تسبیحة و أمّا قولي من اثنی عشر واحد فصیام شهر رمضان من إثنی عشر شهرا و أما قولي من الأربعین واحد فمن ملک أربعین دینارا أوجب الله علیه دینارا و أما قولي مائتین خمسة فمن ملک مائتی درهم أوجب الله علیه خمسة دراهم و أما قولی فمن الدهر کله واحد فحجة الإسلام و أما قولي واحد من واحد فمن أهرق دما من غیر حق وجب إهراق دمه، قال الله تعالى: “النفس بالنفس”(4)

فقال الرشید: لله درّک …

خرج الأعرابي من المسجد فتبعه بعض الناس و سأله عن إسمه فإذا هو موسى بن جعفر بن محمد (علیهم السلام). فأخبر هارون بذلک فقال: و الله لقد رکنت أن تکون هذه الورقة من تلک الشجرة”

«مأخوذ من کتاب “مناقب آل أبي طالب”، تألیف: محمد بن شهر آشوب المازندراني (مع قلیل التصرف) »

يعزّي موقع الرشد جميع المسلمين و أنت صديق العزيز،

25 من رجب ذکری سنوية إستشهاد

باب الحوائج، الإمام موسی بن جعفر (عليهما السلام).

الهوامش:

1- کان هارون الرشيد أقدر خليفة العباسية و سلطته کانت تشتمل علی نصف العالم و تلک الأيام. إمام الکاظم (عليه السلام) أستشهد علی يد هذا الخليفة بسمّ مهلک.

2- “…سواءً العاکف فیه والباد …” (سورة الحج، الآیة 25)

3- “… و ان کان مثقال حبة من خردل اتینا بها و کفی بنا حاسبین” (سورة انبیاء، الآیة 47)

4- “… النفس بالنفس …” (سورة مائدة، الآیة 45)