توسّل المأمون العباسي إلی أية مؤامرة کي يلقي الإمام إلی المهوی الفساد و يقلّ من عظمة و کرامة الإمام في أعين الناس؛ لکنه ما کان ناجحا في هذا المجال. من مؤامرات المأمون کان تزويج بنته امّ فضل بإمام الجواد (عليه السلام).
ونتساءل لماذا أقدم الإمام الجـواد (علیه اسلام) على الزواج من بنت المأمون العباسي. ولكي نعرف الإجابة عن مثل هذا السؤال لابدّ أن نلقي نظرة على الحركة الرسالية التي كان الأئمة (علیه السلام) يقودونها ويوسعونها ، في عصر الإمام الرضا ونجله الإمام الجواد (علیهما السلام).
في عهد المأمون تحوَّلت الحركة الرسالية إلى حركة تستطيع أن تتداخل مع النظام وتستفيد من مظلته أو حتى تكوّن ما يسمى اليوم بحكومة ائتلافية، مع أي دولة من الدول ، والأئمة (علیهم السلام) كانوا يقبلون بالحماية من قبل الدولة بدون أن يفقدوا رسالتهم.
والأئمة المعصومون (علیهم السلام) لم يحلوا حركتهم ، أي أنهم لم يقبلوا بالخلافة ولم يشتركوا فيها ، والدليل على ذلك موقف الإمام الرضا (علیه اسلام) من ولاية العهد حيث قبلها بشرط عدم التدخل في شؤون النظام.
أما الإمام الجواد (علیه السلام) فحينما خطب أبنة المأمون وتزوجها ، أصبح صهر الخليفة واستفاد من ذلك لأجل رسالته فماذا يعني أن يصبح شخص صهراً للخليفة ؟
إن من يدخل البلاط يمكن أن يصير والياً على منطقة ، أو حاكماً على بلد ، أو قاضي القضاة لا أقل ، ولكن الإمام الجواد(علیه اسلام) لم يفعل شيئا من ذلك ، بل أخذ بيد زوجته وذهب إلى المدينة وبقي هناك حتى مات المأمون العباسي.
فماذا كسب الإمام (علیه السلام) من هذه المصاهرة ؟
كسب الإمام الجواد (علیه السلام) بهذا العمل أمرين:
أولاً :منع المأمون من أن يقوم بعملية إغتياله ، وذلك بقبوله الزواج من ابنته .
ثانياً:جعل مخالب السلطة و انيابها في قفص الحركة الرسالية ، وذلك أن المأمون ما كان ليجرؤ بعد ذلك على أن يقوم بالفتك برجالات الحركة ومجموعاتها .
بيد أنه لم يكن يرضيه التنعم في قصور العباسيين تاركاً أمور الشيعة والمسلمين الدينية وراءه ظهريّاً ، وكما يبدو أنه إن لم يكن قد أكرهته الظروف بالمقام في بغداد ، لما أقام فيها إلاّ قليلاً.
يروي بعض أصحابه فيقول : دخلت عليه في بغداد ففكرت فيما به من نعم ، وقلت في نفسي إن هذا الرجل لا يرجع إلى موطنه أبداً ، فأطرق رأسه ثم رفعه وقد أصفر لونه ، فقال : “يا حسين خبز شعير وملح جريش في حرم رسول اللـه أحب إلي مما تراني فيه.”(1)
بهذا الکلام أبدی الإمام کراهيته من العيش في قصر المأمون، لکنه أجبر علی قبول هذه الظروف بغية الحصول علی هدف أعلی الذي کان حفظ دين الله و توسيع التعاليم الإسلامية.
(مأخوذ من کتاب: “الامــام الجـــواد (عليه السلام)، قدوة وأسوة”، المؤلف:آية الله السيد محمد تقي المدرسي (مع التلخیص))
يعزي موقع الرشد آخر شهر ذي القعدة،
ذکری السنوية إستشهاد شمس الولاية الساطع و نجم الهداية اللامع،
الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام)
إلی جميع محبي هذا الإمام و أنت صديقنا الحميم.
——————————————————————————————————–
الهامش:
1- الخرائج، مجلد 1، الصفحه 381