“انه کتب بهذه الرسالة إلى أصحابه و أمرهم بمدارَستها، و النظر فیها، و تعاهدِها، والعمل بها.”(1)
نقل المرحوم الکلینی فی کتابه الشریف الکافی وصایا الإمام الصادق (علیه السلام) التی کانت معروضة للشیعة فی رسالة واحدة. إن النقاط المذکورة في هذه الرسالة ذات أهمیة بحیث کان الإمام الصادق (علیه السلام) قبل أن یبدأ الرسالة، یحثّ شیعته بقرائته مع بعضهم و التدبّر فیه و تکراره و تجدید العهد معه و العمل به. یأمر الإمام الصادق (علیه السلام) فی إحدى مقاطع هذه الرسالة أتباعه “بالمجاملة مع أهل الباطل” حیث یقول:
“… و علیکم بمجاملة أهل الباطل، تحمّلوا الضّیم منهم»
إن “المجاملة” تعنی التعامل بطریقة جمیلة، و یعتبر فیه الارتباط بین الطرفین. یفهم من اعتبار الطرفین في معنی المجاملة أنه اذا تعامل الانسان مع أهل الباطل معاملةً حسنة، فإن هذا النوع من الارتباط سوف یؤثر أثراً على الشخص المقابل بحیث إذا لم یکن تعامل الطرف المقابل معاملة جیدة في البدایة، فمن الممکن أن تتحسّن تلک المعاملة بالمواصلة و یجعل من هذا الارتباط الذي جانبين ارتباطاً حسنة. و یرید الإمام (علیه السلام) من المؤمنین أن یلتزموا فی التعامل مع المخالفین بأسلوبٍ جید، حیث ان الهدف الأساسي من بعثة الأنبیاء ما هو إلا هدایة البشر و لا یکون ذلک إلا بالأخلاق الحسنة.
توجد أمثلة عدیدة فی حیاة المعصومین (علیهم السلام) حول المواجهة الحسنة مع المخالفین، و کل واحدة منها غنی بالمعلومات المفیدة. أما جدیراً بالذکر، نهج النبی الأکرم محمد بن عبد الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الذی یتبلور فی وجوده الرحمة الإلهیة، في مواجهة أهل الباطل. على سبیل المثال، عندما کان المسلمون علی قدرة و کانت أموال و أفراد کثیرة تحت أوامر النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)، عندما کان یمر علی یهودي سلّم علیه و بحث عن حاله. في أحد الأیام علِم بمرض أحدهم، فسأل عن حاله و عاده و إن هذه الرحمة یسبّب ایمانه و یموت و هو مؤمنا.
إن الإمام الصادق (علیه السلام)بعد دعوة المؤمنین بأن یواجهوا مع المخالفین مواجهة حسنة، یواصل حدیثه: «تحمّلوا الضّیم منهم.» الضّیم بمعنى المضایقةو الایذاء. یعنی یجب على المؤمنین أن یقابلوا مع المرارات بأسلوبٍ لطیف و ناعم و یتحمّلوا تلک المضایقات، کما أن النبی الأکرم (صلی الله علیه و آله و سلم)عندما کان قومه ضایقوه و أهانوه و رموه بالحجارة، دعى لهم و سأل الله لهم الهدایة. (2)
نعم، إن الإمام الصادق (علیه السلام) یربي في تلک المدرسة التی خاطب البارئ عز وجل نبیّه: “وإنک لعلی خلق عظیم!”(3) و في الحقیقة لا یستطیع المسلمون أن یقرّبوا أسالیبهم بالنمط الإسلام الأخلاقي الا برعایة هذه الکرائم فی أخلاقهم.
(مأخوذ من کتاب “مدرسة الإمام صادق (علیه السلام)”، التألیف: “آیة الله السید صادق الشیرازی” (مع بعض التصرف))
بمناسبة حلول 25 شوال
یعزی موقع الرشد کافة المسلمین، و بالأخص أصدقاء الموقع الأعزاء
ذکرى استشهاد
وارث الأنبیاء و إمام الأبرار،
الإمام جعفر بن محمد الصادق(علیه السلام).
الهوامش:
1- الکافی، المجلد 8، الصفحة 2
2- “اللهم اهد قومی فانهم لا یعلمون” (بحار الأنوار، المجلد 11، الصفحة 298)
3- سورة القلم، الآیة 4