ینقضی عمر الإنسان و یحین الموت ، و تنتهی حیاه الدنیا ، و ینتقل الروح الذی هو معیار شخصیه الإنسان نحو دار الخلود و تبدأ الحیاه فی عالم الآخره.
إن الموت آیه من آیات الله الحکیمه فی الخلق، و حقیقته مجهول کحقیقه الحیاه.
إن من إحدى المقترحات التی یتعلق بالموت و قد تمت بحثها فی الکتب العلمیه و الدینیه هی لماذا یکره عامه الناس الموت و یخافونه و یرهبونه؟
إن إکراه البشر الموت و خوفه منه حصیله حبه بالحیاه الأبدیه. إن حب الحیاه الأبدیه فی طبیعه البشر و له جذور فطریه. إن الذین لهم فکره مادیه یرون الموت منتهی لأبعاد وجودهم ، و أیضاً یکون اشخاص یعدون أنفسهم من أتباع الأدیان الإلهیه و لکن لیس لدیهم یقینٌ حتمی و هم فی ترددٍ حول بقاء الروح و الحیاه بعد الموت الذی هو من أرکان معتقدات الأنبیاء. فهؤلاء یکرهون الموت ایضاً، لأن أملهم المریب فی الحیاه بعد الموت غیر مطابق لفطرتهم ، و لا یستطیعون إقناع حبهم للحیاه الأبدیه.
هؤلاء الفرق یکرهون الموت و ینظرون الیه نظره سیئه و إن منهم من لم یحب أن یُذکر عنده الموت أو یزوروا القبور ساعه أو أن یتفکر فی الموت و یعتبر من الماضین.
أما من جهه أخرى فهناک فئه یؤمنون بخالق الکون ایماناً حقیقیاً و هم من أتباع الأنبیاء الصادقون و یوقنون بالآخره یقیناً حتمیاً. فهم یطیعون الأوامر الإلهیه و یجتنبون ما نهى الله عنه و یتحلّون بمکارم الأخلاق و الصفات الإنسانیه. فإنهم لا یرون الموت بنظره سیئه مکرهه و لا یعدونه خامداً علی الحیاه الخالده بل یعتقدون بأن الموت ینتهی هذه الحیاه الدنیا المحدوده و یتنقّل الإنسان نحو الدار الخلود و یلبّی حب الإنسان للحیاه الدائمه.
إنما خوفهم و قلقهم هو أن یموتوا و الله لا یرضی من عقیدتهم و إیمانهم أو أخلاقهم و أعمالهم، و بذلک یواجهون النقمه و العذاب الإلهی و یُحرمون من الرحمه الإلهیه و لو لوقتٍ محدود.
فهؤلاء یجب علیهم أن یمسحوا هذا القلق من خواطرهم بالثقه على رحمه الله و تفضله، و یلقی الموت رجاء مغفرته سبحانه و تعالی و یسلّموا أنفسهم لخالقهم بقلب مسرور و وجه صبیحه.
و نموذج لهذا فقد روی فیه عن الإمام العسکری (علیه السلام) قال:
دخل علی بن محمد (علیه السلام) على مریض من أصحابه و هو یبکی و یجزع من الموت ، فقال له: “یا عبد الله تخاف من الموت لأنک لا تعرفه أ رأیتک إذا اتسخت و تقذرت و تأذیت من کثره القذر و الوسخ علیک و أصابک قروح و جرب و علمت أن الغسل فی حمام یزیل ذلک کله؟ أ ما ترید أن تدخله فتغسل ذلک عنک أ و ما تکره أن لا تدخله فیبقى ذلک علیک؟”
قال: بلى یا ابن رسول الله
قال: “فذاک الموت هو ذلک الحمام و هو آخر ما بقی علیک من تمحیص ذنوبک و تنقیتک من سیئاتک فإذا أنت وردت علیه و جاوزته فقد نجوت من کل غم و هم و أذى و وصلت إلى کل سرور و فرح.”
فسکن الرجل و استسلم و نشط و غمض عین نفسه و مضى لسبیله.(1)
لذا إن هذا الإنسان الذی أطاع التعالیم التربویه الإلهیه و تولى رعایه الوظائف الإنسانیه تجاه الناس فی جمیع الأحوال و اجتنب الصفات المذمومه و تحلّى بالصفات الانسانیه الطیبه ، فإن هذا الشخص قد تهیّأ للموت دائماً و بالرجاء إلی رحمه الله الواسعه مستعد للإنتقال الى دار الخلد.
(مأخوذ من کتاب “المعاد من منظر الروح و الجسد”، التألیف: “المرحوم حجه الإسلام محمد تقی الفلسفی” (مع التلخیص))
بمناسبه حلول 3 رجب ، یعزی موقع الرشد مسلمی العالم و بخصوص أصدقاء الموقع الأعزاء
ذکرى استشهاد
الداعی للهدایه و مضیء مسیر الکرامه ،
الإمام علی بن محمد الهادی (علیه السلام) .
الهوامش:
1- معانی الأخبار، الصفحه 290