یقول عاشر الأئمه الإمام الهادی (علیه السلام): « إن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لما ترک التجاره إلى الشام و تصدق بکل ما رزقه الله تعالى من تلک التجارات ، کان یغدو کل یوم إلى حراء یصعده و ینظر من قلله إلى آثار رحمه الله و إلى أنواع عجائب رحمته و بدائع حکمته و ینظر إلى أکناف السماء و أقطار الأرض و البحار و المفاوز و الفیافی فیعتبر بتلک الآثار و یتذکر بتلک الآیات و یعبد الله حق عبادته .
فلما استکمل أربعین سنه و نظر الله عز و جل إلى قلبه فوجده أفضل القلوب و أجلها و أطوعها و أخشعها و أخضعها أذن لأبواب السماء ففتحت و محمد ینظر إلیها و أذن للملائکه فنزلوا و محمد ینظر إلیهم و أمر بالرحمه فأنزلت علیه من لدن ساق العرش إلى رأس محمد و غرته و نظر إلى جبرئیل الروح الأمین المطوق بالنور طاوس الملائکه هبط إلیه و أخذ بضبعه و هزه و قال : ” یا محمد ! اقرأ “.
قال : ” و ما أقرأ ؟ ” . قال : ” یا محمد ! ، اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِی خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَ رَبُّکَ الْأَکْرَمُ الَّذِی عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ یَعْلَمْ . “
ثم أوحى إلیه ما أوحى إلیه ربه عز و جل ثم صعد إلى العلو و نزل محمد (صلی الله علیه و آله و سلم) من الجبل و قد غشیه من تعظیم جلال الله و ورد علیه من کبیر شأنه ما رکبه الحمى . . . ” » (1).
بلغ رسول الله (صلى الله علیه و آله و سلم) الى مقام النبوه دون أیه تشریفات مادیه. ثم عاد الرسول الى داره بخطوات متینه و واسعه النظر و بقدره خارقه للعاده.
بما أن ورد داره أشرقت منه نوراً و فاحت منه رائحه زکیه و انتشرت فی أنحاء المنزل. سأله خدیجه ما هذا النور؟ قال رسول الله (صلى الله علیه و آله و سلم): “هذا نور النبوه . قولی لا اله الا الله و محمد رسول الله”. ثم شرح رسول الله (صلى الله علیه و آله و سلم) لخدیجه وقائع البعثه و قال أن جبرائیل قال له: “أرسلنی الله إلیک لیتخذک رسولا”
و خدیجه التی قد رأت منذ سنین مضت فی وجه المنوره لزوجها المحبوب طوق من نور النبوه و قد قرأت من أقواله و أعماله آلاف الأسرار المفرحه و المستوره، قالت:” طال ما قد عرفت ذلک. “(2)
و هکذا، فقد کان محمد بن عبد الله (صلى الله علیه و آله و سلم) أبرز رجال قریش الذی قد تبین سوابقه الجیده عند عموم طبقات الناس و قد اشتهر بین عامه الناس بفضائله و سجایاه الأخلاقیه و خصاله الروحیه، اصطفی من قبل الله تعالی بارتفاع من الحراء لمقام النبوه المتعالیه و إمامه الخلق و صار خاتم الأنبیاء.
« مأخوذ من کتاب “تاریخ الإسلام”، تألیف: “علی الدوانی” »
27رجب، نبارک تمام موحدی العالم الذکرى السنویه
لبعثه النبی المختار،خاتم النبیین،
محمد المصطفی (صلی الله علیه و آله و سلم ).
————————————————————————————————–
الحاشیات:
1- بحارالأنوار،العلامه المجلسی، ج 18، ص 205 و ج 17 ص 309 الطبعه الجدیده.
2- مناقب ابن شهر الآشوب، ج 1، ص 36.