«صـلّـى الإلــه عـلـى جــســــم تضمّنه قبر فأصبح فیه العدل مدفونا
قد حالف الحقّ لا یبغي به بدلا فـصـار بـالـحـقّ و الإیـمـان مـقـرونــا»
إن هذه الأشعار جواب امرأة مظلومة لصراخ غضب خليفة سفاك. إسم هذه المرأة المظلومة “سودة”، التی کان قومها يمارس ظلم “بُسر بن ارطاة” حاکم من قبل معاویة. كلما حاولت سودة منع الظلم لكن بائت محاولاتها بالفشل. فقررت لتذهب إلى الشام و تلتقي بمعاوية. بعد مشوارٍ طويل بين همدان و الشام و بهمّةٍ و روحٍ عالية دخلت قصر معاوية.
إبتدأت الحديث مع معاوية حول معركة صفين و بعد هذا واجهته قائلة: “هذا بسر بن أرطاة قدم علينا من قبلك فقتل رجالي و أخذ مالي يقول لي فوهي بما استعصم الله منه و ألجأ إليه فيه و لو لا الطاعة لكان فينا عز و منعة فإما عزلته عنا فشكرناك و إما لا فعرفناك”
لم يكن يتوقع معاوية أن تواجهه إمرأة بهذه الجرأة، فغضب و صرخ قائلاً: “أ تهدديني بقومك لقد هممت أن أحملك على قتب أشرس فأردك إليه ينفذ فيك حكمه.”
في هذه الأثناء، غمر المكان هدوءاً قاتماً. لم يتجرأ أحد أن يتكلم أو أن ينظر إليه و انحنت الرؤوس خشيةً منه، أما من لم تخش غضب الخليفة كانت تلك المرأة المظلومة المقهورة التي قصدت هذه الأشعار و كسّرت الصمت:
« صـلّـى الإلــه عـلـى جــســــم تضمّنه قبر فأصبح فیه العدل مدفونا
قد حالف الحقّ لا یبغي به بدلا فـصـار بـالـحـقّ و الإیـمـان مـقـرونــا »
قال لها:”و من ذلك؟”
قالت: “علي بن أبي طالب (علیهما السلام)”
قال: “و ما صنع بك حتى صار عندك كذلك؟”
قالت: “قدمت عليه في رجل ولاه صدقتنا قدم علينا من قبله فكان بيني و بينه ما بين الغث و السمين فأتيت عليا (علیه السلام) لأشكو إليه ما صنع فوجدته قائما يصلي فلما نظر إليّ انفتل من صلاته ثم قال لي برأفة و تعطّف: “أ لك حاجة؟” فأخبرته الخبر فبكى ثم قال: “اللهم إنك أنت الشاهد علي و عليهم أني لم آمرهم بظلم خلقك و لا بترك حقك.” ثم أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجواب فكتب فيها:
“بسم الله الرحمن الرحيم قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل و الميزان بالقسط و لا تبخسوا الناس أشياءهم و لا تعثوا في الأرض مفسدين بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين و ما أنا عليكم بحفيظ(1) إذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك و السلام” ثم دفع الرقعة إليّ فو اللَّه ما ختمها بطين و لا خزنها فجئت بالرقعة إلى صاحبه فانصرف عنا معزول.”
عندما رأى معاوية حيرة الجمع و تعجبهم من تصرّف أميرالمؤمنين (عليه السلام) و منهجه الميّزة في الحکم و شهامة شجاعة إمرأة متربية علی يديه، أراد حينها أن يظهر إهتمامه بالعدالة في نفسه أيضاً. ثم قال اكتبوا لها برد مالها و العدل عليها.
قالت: “هي و الله إذن الفحشاء و اللؤم إن لم يكن عدلا شاملا و إلا فأنا كسائر قومي.”
فقال لها معاوية: “لقد لمظكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان فبطيئا ما تفطمون” ثم قال: “اكتبوا لها و لقومها” (2)
(مأخوذ من کتاب “نمط معاملات الإمام علي (علیه السلام) و المباحث التربوية”تألیف المرحوم محمد الدشتي (مع بعض التصرف))
بمناسبة حلول 13 رجب، يبارك و يهنئ موقع الرشد
مسلمي و أحرار العالم
ذكرى ميلاد إمام العدل و أمير الحق
أمیر المؤمنین الإمام علي (علیه السلام).
الهوامش:
1- الآیة 85 من سورة الأعراف و الآية 86 من سورة هود
2- إحقاق الحق، المجلد 8، الصفحة 563 – 562