علی رأیکم کم من مسافة بین الغفلة عن النفس و الغفلة عن الله؟
من أنا؟ من کنت ؟ أین أنا الآن؟ إلی أین أروح؟ کیف لابد أن اکون؟ ماذا علیّ أن أفعل؟ ما هدفي في الحياة؟ ماذا کنت أرید؟ ماذا علیّ أن أطلب؟ النسیان و الغفلة عن هذه الأسئلة و عشرات من مثلها ینجم عن ضرب من الغفلة عن النفس. هاهي هذه الغفلات و النسیان ألذي یجرّ الإنسان إلی الإثم و الکبر و العجب و العصیان و الفناء و الحب الدنیا. فأمّا و ما هي هذه النفس ألتي هي بالغة هذه الدرجة من الأهمية و الغفلة عنها تسفر عن الهلاک؟
دون النفس الطبیعیة التي تمتّ إلی الجوانب الفیزیائیة و الجوارح و الاعضاء و الجسد، و سوی النفس الاجتماعیة التي تحدّد مکانتنا فی المجتمع و علاقاتنا مع الناس و البیئة الخارجیة و حیاتنا الشخصیة و الاجتماعیة، هناک لنا نفس الإنسانیة التي تنجم عن مکانتنا کالإنسان في نظام الکون.
معرفة هذه النفس هي أوجب و أنفع و تکوینها و تطويرها ایضاً أصعب و أکثر قرابة بالسعادة. کثیر من الناس یعرفون أنفسهم الطبیعیة و الاجتماعیة و لکن بالنسبة إلی تلک النفس الأعلی إمّا غافلون و إمّا یتغافلون و یماطلون عن الفکر حولها و السعی إلیها و لایریدون أن یتفکّروا حول مکانتهم و موضعهم في نظام الخلقة.
معرفة النفس تشمل ایضاً علی المواهب و الارضیات الرشد و النعم الإلهي التي قد أحاطت بنا و معرفة کرامة الإنسان و قیمته الوجودیة؟ لیس نصیب من کنز الوجود لمن لایعرف النعم و مواهبه. من لا یعرف قیمة نفسه، یبیعها بثمن بخس و من یغفل عن جانبه الالهي و دوره کخلیفة الله ، یخضع للحقارة و الإثم. من یرید أن یربح في التجارة لابدّ أن ینظر في ثمن امتعته کشرط الأول لکی لا یبیعها رخیصا و یخسر. یعتقد ائمة الدین أنّ ثمن النفس کفاءة للجنّة و رأیهم کرأی الخبیر في هذا المجال. قال الإمام الجواد (عليه السلام) – الذی نحتفل بذکری لمولده – في هذا المجال : “إنّه ليس لأنفسکم ثمن غير الجنة فلا تبيعوها إلا بها.”
هذا الکلام یعنی لو بعت نفسک بأقلّ من الجنّة فخسرت بلا شک. قیمة نفسک قدر ما تبادلها به. قد قيل أنّ الدنیا متجر اولیاء الله و لکن قد ذکّروا قیمة النفس الإنسان الثمینة ، لکی لایذهب إلی السوق غیرمدرّب و غافلاً عن الثمن و لاینخدع.
حینما یقدر أن یکون أفضل من الملک لماذا یصبح أضلّ من الأنعام؟ إذا لاتستطیع أن تستثمر نفسک کرأس المال و تصرف یومیا من رأس مالک دون أن تربح ، في النهایة ینفد کلّه یوماً ما و سیرجع من هذا السوق مسکینا خاسرا. أما إن لا تنسی نفسک و تعرفها جیداً لاتبیعها زهیدة.ً
(مقتبس من کتاب ” خطوة في المسير” لسماحة الشیخ جواد محدثي)
موقع الرشد یقدّم التهانی بمناسبة 10 رجب، ذکری مولد المبارک لینبوع الحکمة و الإمام الرحمة
محمد بن علي الجواد (عليه السلام)
إلی جمیع مسلمي العالم لاسیّما أنت الصدیق الکریم.