أحيانا إنّ بعض الحقائق أوسع مما نتصورها و بالتالي يمکن التعرف علی سعتها العظيمة يفتح افاق و نوافذ جديدة و ثمينة لدینا. أحد من هذه المفاهيم و الحقائق هو عقل البشر …
نحن عارف بمفهوم العقل و نعتبرها من أعظم نعم الله سبحانه و تعالی علينا، الّا أننا کثيرا ما نحدّد مجال هذه القوة في تمييز الحق من الباطل في شؤون النظري و حسب. لکن إذ ندرس في تعاليم الشريعة، و سوف نواجه أصعدة وسعة حول هذا الموضوع.
إن اهل البيت (عليهم السلام) لا يرون العقل وسيلة للمعرفة و حسب، بل يمدّون مجاله إلی ميدان العمل و يشيرون إلی أن مستوی الاستغلال من هذه النعمة يعيّن و يشکّل کيفية المعيشة و سلوک العملي .
في الحقيقة کيف معيشة من يتمتع بهذه الموهبة الإلهية؟ هل من الممکن أن نسيّر العقل في طريق کماله؟ و ما هي الأسباب التي تقلّ من ضياء هذا الجوهر الإلهي؟
و نحن في رحاب الإمام الهمام، موسی بن جعفر الکاظم (عليمها السلام) نتعرّف علی افاق جديدة في هذا المجال خلال رواية عنه عليه السلام التی يخاطب فيها هشام بن حکم:
“يا هشام! إنّ اللّه تبارك و تعالى أكمل للنّاس الحجج بالعقول …
يا هشام! ثمّ ذمّ الّذين لا يعقلون … و قال: «و مثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاء و نداء صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون» (2)
يا هشام ! ما بعث اللّه أنبياءه و رسله إلى عباده إلّا ليعقلوا عن اللّه فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة و أعلمهم بأمر اللّه أحسنهم عقلا و أكملهم عقلا أرفعهم درجة في الدّنيا و الآخرة.
يا هشام! قليل العمل من العالم مقبول مضاعف و كثير العمل من أهل الهوى و الجهل مردود.
يا هشام! إنّ لقمان قال لابنه تواضع للحقّ تكن أعقل النّاس … يا بنيّ إنّ الدّنيا بحر عميق قد غرق فيها عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوى اللّه و حشوها الإيمان و شراعها التّوكّل و قيّمها العقل و دليلها العلم و سكّانها الصّبر.
يا هشام! إنّ العقلاء تركوا فضول الدّنيا فكيف الذّنوب و ترك الدّنيا من الفضل و ترك الذّنوب من الفرض.
يا هشام! كان أمير المؤمنين (علیه السلام) يقول: ما عبد اللّه بشيءٍ أفضل من العقل و ما تمّ عقل امرئٍ حتّى يكون فيه خصال شتّى الكفر و الشّرّ منه مأمونان و الرّشد و الخير منه مأمولان و فضل ماله مبذول و فضل قوله مكفوف و نصيبه من الدّنيا القوت لا يشبع من العلم دهره الذّلّ أحبّ إليه مع اللّه من العزّ مع غيره و التّواضع أحبّ إليه من الشّرف يستكثر قليل المعروف من غيره و يستقلّ كثير المعروف من نفسه و يرى النّاس كلّهم خيرا منه و أنّه شرّهم في نفسه و هو تمام الأمر.
يا هشام! من أراد الغنى بلا مالٍ و راحة القلب من الحسد و السّلامة في الدّين فليتضرّع إلى اللّه عزّ و جلّ في مسألته بأن يكمّل عقله فمن عقل قنع بما يكفيه و من قنع بما يكفيه استغنى و من لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغنى أبدا.
يا هشام! من سلّط ثلاثا على ثلاثٍ فكأنّما أعان على هدم عقله من أظلم نور تفكّره بطول أمله و محا طرائف حكمته بفضول كلامه و أطفأ نور عبرته بشهوات نفسه فكأنّما أعان هواه على هدم عقله و من هدم عقله أفسد عليه دينه و دنياه.
يا هشام! إن كل الناس يبصر النجوم و لكن لا يهتدي بها إلا من يعرف مجاريها و منازلها و كذلك أنتم تدرسون الحكمة و لكن لا يهتدي بها منكم إلا من عمل بها.(3) “
(مأخوذ من کتاب ” أصول الکافي، کتاب العقل و الجهل” لثقة الإسلام محمد بن يعقوب الکليني(ره) )
يهنئ موقع الرشد، السابع من الصفر،
مسلمي العالم بأجمعهم و خاصتاً أنتم الأصدقاء الکرماء،
ذکری مولد الإمام السابع و معدن حکم الإلهية،
الإمام موسی بن جعفر الکاظم (عليهما السلام).
الهوامش:
1- کان هشام بن حکم من اصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) و الإمام الکاظم (علیه السلام).
2- سورة البقرة، الآیة 171
3- قد نقل هذا القسم من الرواية من کتاب “تحف العقول”.