تأتي عبارة “فصل الخطاب” في اصطلاح أهل الأدب من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف، والمراد هو الفصل في الخطاب، بمعنى فصل الحق عن الباطل الفصل في الاختلافات، وهي إحدى المقامات التي يتميّز بها أهل البيت (عليهم السلام). إن فصل الخطاب من المواهب الإلهية التي وهبها الله تعإلى إلى عبده النبي داوود (عليه السلام) كما يذكر القرآن الكريم :”وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطاب”(1) ، لهذا، كان النبي داوود (عليه السلام) يعلم المدعي الكاذب من الصادق عن طريق حدسه الشخصي و الإلهامات الغيبية، علاوةً على أنه – عليه السلام- كان ينهي نزاعات الناس، لذا، فإن كلامه هو فصل الخطاب.
و يعتقد الشيعة إن فصل الخطاب بكل أنواعه، و بدرجة أعلى و أعم من التشخيصات الشخصية و الإلهامات الغيبية و الكلام الفاصل بين الحق و الباطل هو عند أهل الرسالة، و سيرة حياة أهل البيت (عليهم السلام) تشمل موارد عديدة من مصاديق هذا الموضوع. لقد كانت أحكامهم تُنهي الاختلافات و يُرشدون طريق الحق للناس بعلومهم الإلهية بنحوٍ يثبت لدى كبار المخالفين أحقيتهم. و كانت المناظرات و أسئلة المعصومين (عليهم السلام) وأجوبتهم مع سائر مروجي الأديان و الدعاة لعقائدهم من هذا الجانب، و نذكر فيما يلي مثالاً من حياة الإمام الكاظم (عليه السلام):
*دخل موسى بن جعفر (علیه السلام) بعض قُرى الشّام مُتنكّرا هاربا فوقع في غار و فيه راهِب يعظ في كلّ سنة يوما فلمّا رآه الرّاهب دخله منه هَيبة فقال: “يا هذا أَنت غريبٌ؟”
-الإمام: “نعم”
*الراهب: “منّا أَو علينا”
-الإمام: “لستُ منكم”، واستمر الحوار على هذا النحو:
*الراهب: “أَنت من الأُمّة المرحومة”؟
– الإمام: “نعم”.
*الراهب: “أَ فمن علمائهم أَنت أَم من جهّالهم؟”.
-الإمام: “لست من جهّالهم”.
*الراهب: “كيف طوبى أَصلها عندكم في دار محمّد (صلی الله علیه و آله) و أَغصانها في كلّ دار؟”.
-الإمام: “الشّمس قد وصل ضوؤها إلى كلّ مكان و كلّ موضع و هي في السّماء”.
*الراهب: “وفي الجنّة لا ينفد طعامها و إن أَكلوا منه ولا ينقص منه شيْء”.
-الإمام: “السّراج في الدّنيا يقتبس منه و لا ينقص منه شيء”.
*الراهب: “و في الجنّة ظلّ ممدود”.
-الإمام: “الوقت الّذي قبل طلوع الشّمس كلّها ظلّ ممدود قوله «أَ لَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ»(2).
*الراهب: “ما يُؤكل و يشرب في الجنّة لا يكون بولا و لا غائطا”.
-الإمام: “الجنِين في بطن أمّه”.
*الراهب: “أَهل الجنّة لهم خدم يأتونهم بما أَرادوا بلا أَمر”.
-الإمام: “إذا احتاج الإنسان إلى شيء عرفت أَعضاؤه ذلك و يفعلون بمراده من غير أَمر”.
*الراهب: “مفاتيح الجنّة من ذهب أَو فضّة؟”.
-الإمام: “مِفْتَاحُ الجنّة لسان العبد لا إله إلّا اللّه”.
*الراهب: “صدقت”.. ثم أَسلم و الجماعة معه(3).
هذا مصداقٌ من مصاديق فصلُ الخطاب الذي فصلَ الحق عن الباطل للراهب النصراني. لقد توجه الراهب بعد حصوله الإجابات على أسئلته إنه من يتحدث بهذا الشكل لابد و أنه متصلٌ بمنبع العلم الإلهي. و بذلك اتضح له الحق و آمن به.
(مأخوذ من صفیر الولایة، أثر لآیة الله السید محمد ضیاء الآبادي(مع بعض التغییرات و الإضافات)).
بمناسبة حلول 25 من رجب،
يعزي موقع الرشد مسلمي العالم و بالأخص أصدقاء الموقع الأعزاء،
ذكرى شهادة سابع أئمة الشيعة،
الإمام موسی الکاظم (علیه السلام)
الهوامش:
1- سورة ص، الآیة 20.
2- سورة الفرقان، الآیة 45.
3- مناقب ابن شهر الآشوب، المجلد 4، الصفحة 311